45/11/16
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
يتبين مما تقدم أنه بلحاظ الشك في الحكم الواقعي الالزامي – أي الشك من النحو الأول – يوجد تنافٍ واقعي بين جعل الحجية للأمارة المثبتة للتكليف في بعض الأطراف وبين الترخيص الظاهري فيه، بمعنى استحالة اجتماعهما في طرف واحد، من دون فرق بين أن تكون هذه الأمارة حاصلة عند العلم الإجمالي أو متأخرة عنه، فلا يمكن اجتماع جعل التكليف وجعل الترخيص في هذه الشبهة كحكمين ظاهريين، ومن هنا كان وصول الأمارة ولو في زمان متأخر عن العلم الإجمالي كاشفاً عن عدم الترخيص في تلك الشبهة، وذلك باعتبار أنَّ الترخيص الظاهري مقيد واقعاً بعدم قيام أمارة مثبتة للتكليف في مورده، ومن هنا كان الوجود الواقعي لها مانعاً من الترخيص لا خصوص الوجود الواصل.
وبهذا يكون جواب الأخباريين وهو أنَّ العلم الإجمالي بوجود جملة من التكاليف الإلزامية في جملة من الشبهات الكثيرة منحل بقيام الأمارات المثبتة للتكليف في جملة من هذه الشبهات، وهذه الأمارات وإن كانت متأخرة عن العلم الإجمالي زماناً لكن هذا لا يمنع من الالتزام بعدم الاحتياط لأنَّ قيامها في موردها وإن كان متأخراً يكشف عن أنَّ تلك الموارد ليست مورداً للترخيص وللبراءة لاستحالة الجمع بينهما كما تقدم، فيجري الأصل في الشبهات التي ليست مورداً للأمارات بلا معارض وبذلك ينحل العلم الإجمالي حكماً.
ومرجع ذلك الى منع اشتراط عدم تأخر قيام الأمارة عن العلم الإجمالي في انحلاله بالأمارات فينحل حتى مع تأخرها، نعم هذا مبني كما عرفت على المسلك المتقدم في تفسير الأحكام الظاهرية والذي يتبناه السيد الشهيد قده، فإنه بحسب هذا المسلك يصح ما ذكره من التضاد الواقعي بين هذين الحكمين الظاهريين أي بين جعل الحجية للأمارة المثبتة للتكليف وبين الترخيص الظاهري في تلك الشبهة، فإنَّ الأول يعني اهتمام الشارع بالإحكام اللزومية، ولكن الثاني يعني اهتمامه بالأغراض الترخيصية، وهذان أمران لا يمكن اجتماعهما، وبينهما تنافٍ واقعي فيكون الترخيص مقيداً واقعاً بعدم قيام الأمارة المثبتة للتكليف في تلك الشبهة، ومعه تجري في الطرف الآخر بلا معارض فينحل العلم الإجمالي حكماً.
وأما على المسلك الآخر - أي أنَّ الأحكام الظاهرية تابعة لملاكات في نفس جعلها - فلا تنافي ولا تضاد بين حكمين ظاهريين لتعدد الجعل، وإنما يكون التضاد بينهما في عالم المحركية وهو لا يكون إلا بعد الوصول، وأما قبله فلا تنافي، وعليه لا مانع من جريان البراءة في الطرف الذي قامت الأمارة على ثبوت التكليف فيه، فتُعارض بالبراءة في الشبهات الأخرى ثم تتساقط فيتنجَّز العلم الإجمالي، فيرد الإشكال على الأصوليين.
وقد تقدم أنَّ ما نقلناه عن السيد الشهيد لا يؤدي الى المنع من جريان البراءة في الشبهة في صورة احتمال قيام أمارة على التكليف، لأنه يؤدي عملاً الى المنع من جريان البراءة في كثير من الشبهات وذلك مما لا يمكن الالتزام به، لأنَّ الوجود الواقعي للأمارة يكون مانعاً من جريان الترخيص كما ذكر، فلا بد من إحراز عدم الوجود الواقعي للأمارة على ذلك التكليف.
وقد أجاب عنه بالفرق بين نحوين من الشك كما تقدم، وأنَّ البراءة لا تجري بلحاظ الشك من النحو الأول، وعلى أساسه ينحل العلم الإجمالي، وأما بلحاظ الشك من النحو الثاني فتجري فيه البراءة لأنَّ الأمارة إنما تمنع من الترخيص في موردها في صورة الوصول، فلا مانع من جريان البراءة من هذه الناحية، فهناك تأمين من ناحية تنجُّز هذا التكليف على المكلف.
هذا كله في الشرط الأول للانحلال الحكمي للعلم الإجمالي بالأمارات والأصول.
الشرط الثاني: أن لا يقل ما يتنجَّز بالأمارة أو بالأصل عن المعلوم بالإجمال.
فإذا كان ما يتنجز بالأمارة مساوٍ للمعلوم بالإجمال أو أكثر منه فلا اشكال في الانحلال، وأما إذا كان ما يتنجَّز بها أقل منه فلا ينحل العلم الإجمالي، فإذا علم المكلف إجمالاً بنجاسة خمسة آنية في ضمن عشرة، وقامت الأمارة على نجاسة إناءين منها فيتنجَّز الحكم فيهما لكن المعلوم بالإجمال أكثر عدداً مما تنجَّز بالأمارة فلا ينحل العلم الإجمالي، إذ لا مانع من اجراء البراءة في المقدار الزائد – أي في الثلاثة - وتُعارض بالبراءة في الأطراف الأخرى فتتساقط، فيتنجِّز العلم الإجمالي.
وأما إذا كان المعلوم بالإجمال مساوياً لما تنجَّز بالأمارة فلا تجري فيها الأصول المؤمِّنة وتجري في الأطراف الأخرى بلا معارض فينحل العلم الإجمالي.