45/11/13
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
كان الكلام في جواب السيد الشهيد قده عن لازم الجواب الذي ذكره لدفع إشكال عدم انحلال العلم الإجمالي ووجوب الاحتياط، وحاصل هذا اللازم هو المنع من جريان الأصل المؤمِّن في الشبهة لمجرد احتمال قيام الأمارة على ثبوت التكليف فيها، فنقول بالتفصيل بين صورة العلم بعدم قيام أمارة على ثبوت التكليف في الشبهة فنُجري فيها الأصول المؤمِّنة، وبين صورة احتمال قيام أمارة مثبتة للتكليف فنلتزم بعدم جواز إجراء الأصول المؤمِّنة فيها، وهذا ما لا يمكن الالتزام به.
وأما جوابه عن ذلك فهو إنَّ الشك على نحوين:
الأول الشك في الحكم الواقعي الإلزامي.
الثاني الشك بقيام أمارة على الحكم الإلزامي.
ولا منافاة بين هذين الشكين، ويمكن اجتماعهما كما لو شك المكلف بوجوب جلسة الاستراحة، وشك أيضاً في قيام الأمارة على هذا التكليف، والشارع جعل الترخيص بلحاظ كلا الشكين، فيجعل الترخيص عند الشك في الحكم الالزامي وهو واضح، ويجعله أيضاً عند الشك في قيام أمارة على الحكم الالزامي بأن يقول إبنِ على عدم قيام الأمارة على التكليف، أي على البراءة، والترخيص الأول ترخيص ظاهري مقيد واقعاً بعدم وجود أمارة على التكليف الإلزامي وإلا فلا ترخيص حتى لو لم تصل الأمارة الى المكلف، بل يستحيل ثبوته لما ذكره في جوابه من أنَّ الأمارة الدالة على ثبوت التكليف في مورد والترخيص في نفس المورد أمران متنافيان متضادان، فإذا ثبت أحدهما ينتفي الآخر قهراً ، فإذا فرضنا قيام الأمارة على ثبوت التكليف في الشبهة ولو كانت متأخرة فهذا يعني عدم جريان الترخيص فيها، فتجري الأصول المؤمِّنة في الأطراف الأخرى بلا معارض، فيتحقق انحلال العلم الإجمالي.
هذا بلحاظ الشك الأول، والنكتة فيه هي أنَّ الترخيص في هذا المورد وقيام الأمارة على التكليف في نفس المورد لا يجتمعان.
أما الترخيص بلحاظ الشك الثاني فليس مقيداً بعدم وجود الأمارة واقعاً على الإلزام حتى يكون وصول الأمارة الى المكلف كاشفاً عن عدم هذا الترخيص في موردها من أول الأمر، والسر في ذلك أنَّ هذا الترخيص لا ينافي وجود الأمارة واقعاً وإنما ينافي وصول الأمارة، لأنَّ موضوعه الشك بوجود الأمارة فإذا وصلت الأمارة ارتفع موضوع الترخيص فيرتفع الترخيص بطبيعة الحال، وعليه فلا منافاة بين هذا الترخيص وبين الوجود الواقعي للأمارة على التكليف، وإنما المنافاة بين هذا الترخيص وبين الوجود الواصل للأمارة، بمعنى أنه لا مانع من إجراء الترخيص في هذا الطرف بلحاظ الشك الثاني، وحينئذٍ لا يكون وصول الأمارة بعد ذلك كاشفاً عن عدم الترخيص من أول الأمر في موردها، فيجوز إجراء البراءة فيه في مرحلة ما قبل الوصول ويُعارَض بالبراءة في الطرف الآخر ويتنجَّز العلم الإجمالي.
ومنه يظهر اندفاع الاشكال المتقدم وذلك لأننا نلتزم بعدم جريان البراءة عند الشك في التكليف مع الشك في قيام الأمارة عليه، لكن هذا لا يعني عدم جريان البراءة أصلاً لما عرفت من جريان البراءة عند الشك في وجود الأمارة على التكليف حتى مع فرض وجودها واقعاً، إذن البراءة تجري في الشبهات ويثبت الترخيص والمعذرية حتى مع فرض وجود الأمارة واقعاً، لكن الترخيص الثابت بالبراءة هو الترخيص بلحاظ المرحلة الثانية لا المرحلة الأولى.
والحاصل إنَّ الشك في الحكم الواقعي الالزامي تارة يكون مع إحراز عدم الأمارة عليه وهنا تجري البراءة بلا إشكال، وأخرى يكون مع احراز وجود الأمارة ولو متأخرة وهنا لا تجري البراءة لما عرفت من المضادة بين قيام الأمارة على التكليف وبين الترخيص الواقعي من الناحية الأولى، فلا تجري البراءة للمضادة الواقعية بينهما.
وثالثة يكون مع الشك في وجود الأمارة وهنا لا تجري البراءة بلحاظ الشك في الحكم الواقعي لأنَّ الوجود الواقعي للأمارة يمنع من الترخيص والبراءة في موردها لأنهما متضادان واقعاً فلا بد من إحراز عدم الأمارة حتى تجري البراءة بلحاظ النحو الأول من الشك، وهذا يُحقق الانحلال الحكمي للعلم الإجمالي لأنَّ الأصل المؤمِّن يجري في غير مورد الأمارات بلا معارض.
وأما بلحاظ الشك في وجود الأمارة على الإلزام فلا مانع من جريان البراءة لما عرفتَ من عدم المنافاة بين الوجود الواقعي للأمارة وبين هذا الترخيص لأنه ثابت في فرض الشك في وجود الأمارة بحسب الفرض، أي أنه ثابت مع احتمال وجودها واقعاً، نعم الوجود الواصل للأمارة ينافي هذا الترخيص كما ذكرنا لأنه يوجب ارتفاع موضوعه وهو الشك في وجود الأمارة، وأما قبل الوصول فلا منافاة بينهما، وعليه لا مانع من جريان البراءة حتى في فرض وجود الأمارة واقعاً، لكن هذا الترخيص هو الترخيص بلحاظ الشك في وجود الأمارة لا بلحاظ الشك في الحكم الواقعي.