الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/11/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي

ذكرنا أنَّ الانحلال الحكمي بالأمارات والأصول يُشترط فيه عدم تأخرهما عن العلم الإجمالي كما اشترطنا ذلك في الانحلال بالعلم التفصيلي، وتقدم الوجه فيه، وحاصله أنه لا منجِّز للتكليف قبل قيام الأمارة فيجري فيه الأصل المؤمِّن فيعارض جريان الأصل في الطرف الآخر فيتنجز التكليف ولا انحلال، وأما إذا تنجَّز التكليف في هذا الطرف بقيام الأمارة فهو يمنع من جريان الأصل المؤمِّن فيه، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، وبذلك ينحل العلم الإجمالي حكماً.

والحاصل: لا بد في يتحقق الإنحلال الحكمي بالأمارات والأصول المنجِّزة أن لا تكون متأخرة عن العلم الإجمالي وإلا فلا إنحلال.

إشكال وجواب:

ومن هنا يُثار إشكال، وتوضيحه:

إدعى الأخباريون إنَّ العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية في الشريعة يوجب الاحتياط والموافقة القطعية، فهو المحكَّم في الشبهات الحكمية، وأجاب عنه الأصوليون بأنَّ هذا العلم الإجمالي منحل بقيام الأمارات على ثبوت التكاليف في جملة من الشبهات لا تقل عن المعلوم بالإجمال، فينحل العلم الإجمالي حكماً وتجري الأصول المؤمِّنة في باقي الشبهات.

والاشكال يقول: كيف يُدعى إنحلال العلم الإجمالي بقيام الأمارات على ثبوت التكليف في قسم من الشبهات والحال أنه يُشترط في الانحلال الحكمي بالأمارة عدم تأخرها عن العلم الإجمالي، ولا إشكال في تأخر هذه الأمارات عن العلم الإجمالي لأنه حاصل من أول الأمر وبمجرد الالتفات من المكلف في حين أنَّ الأمارات توجد تدريجاً بالفحص، فلا ينحل العلم الإجمالي لعدم تحقق شرط الانحلال، فيجب الاحتياط كما يقول الأخباريون.

جواب السيد الخوئي قده:

وأجاب السيد الخوئي عنه بأنَّ الأمارة توجب تنجُّز مؤداها بوجودها الواقعي ولا يُشترط وصولها بالفعل، ويكفي في التنجيز أن تكون بحيث لو فحص عنها المكلف لوصل إليها، والكاشف عن هذا هو وصولها بحسب الفرض لأنه يكشف عن كونها كذلك وعن وجودها المنجِّز من السابق، وبذلك يتحقق شرط الانحلال، أي عدم تأخر الأمارة عن العلم الإجمالي.

والحاصل إنَّ هذا الشرط متحقق في المقام لأنَّ الأمارة وإن كانت متأخرة إلا أنَّ كونها في معرض الوصول بحيث لو فحص عنها المكلف لوصل إليها موجود من السابق، ويكفي ذلك في تنجيزها ومنعها من جريان الأصل المؤمِّن في موردها، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، ويتحقق الانحلال الحكمي ولا يجب الاحتياط.

ويلاحظ عليه:

أولاً: إنَّ هذا الجواب مبني على كون الامارة حجة ومنجِّزة لمؤداها بوجودها الواقعي لا بوجودها الواصل، وأما إذا قلنا برأي المحقق الخراساني قده من أنَّ التنجيز يرتبط بوصول الأمارة وصولاً فعلياً فلا يتم هذا الجواب، فهذا الجواب مبنائي.

ثانياً: إنَّ هذا الجواب يستلزم التفريق بين الأمارات وبين العلم التفصيلي بمعنى إذا ثبت التكليف بالأمارة فيتحقق الانحلال وإذا ثبت بالعلم التفصيلي فلا يتحقق الانحلال، لأنَّ العلم التفصيلي لا يكون إلا متأخراً عن العلم الاجمالي ولا يُتصور فيه ما ذكره من الجواب، إذ لا يمكن أن ينجِّز العلم التفصيلي معلومه قبل حصوله كما فرض في الأمارة، ومعه لا يمكن القول بأنه يمنع من جريان الأصل في متعلقه فيجري الأصل في الطرف الأخر بلا معارض، وإنما يجري الأصل في متعلقه ويعارض الأصل في الطرف الآخر فيجب الاحتياط، فهذا الجواب يستلزم التفريق المذكور وهو غريب، وقد لا يُلتزم به.

جواب السيد الشهيد قده:

إنَّ أصل الاشكال مبني على القول بأنَّ الأحكام الظاهرية تنشأ من ملاك في نفس جعلها، إذ لا تضاد بين الأحكام الظاهرية على هذا المبنى، لأنَّ ملاكها في نفس جعلها وهو متعدد، فلا مانع من أن يكون الشيء الواحد يتعلق به حكمان ظاهريان أحدهما البراءة والآخر الاحتياط، ولا يلزم منه اجتماع الضدين، وإنما يلزم ذلك إذا كان ملاك الحكمين قائماً في المتعلّق، نعم يحصل التضاد بلحاظ المحركية لأنَّ الاحتياط يحرك نحو الفعل - أو الترك باختلاف الموارد - وأما البراءة فلا محركية فيها، وهذا التضاد بلحاظ المحركية منوط بالوصول ولا محركية قبل الوصول.