الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي

شرطا الانحلال الحقيقي والانحلال الحكمي

يختلف الانحلال الحقيقي للعلم الإجمالي بالعلم التفصيلي عن الانحلال الحكمي في أنه يشترط في الانحلال الحقيقي أن لا يكون المعلوم بالتفصيل متأخراً عن المعلوم بالإجمال، فإذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين ظهراً وعلمنا تفصيلاً بنجاسة أحدهما المعيَّن بعد الظهر فالعلم الإجمالي باقٍ على حاله ولا ينحل حقيقة، لأنَّ المعلوم التفصيلي ليس مصداقاً للمعلوم الإجمالي فلا انطباق ولا سراية فلا انحلال، بخلاف ما إذا كان متقدماً على المعلوم بالإجمال - أو مقارناً له - كما إذا علمنا بنجاسة أحدهما المعيَّن قبل الظهر وعلمنا بنجاسة أحدهما ظهراً فإنه ينحل العلم الإجمالي لأنَّ المعلوم بالإجمال ينطبق على المعلوم بالتفصيل ويكون مصداقاً له، فيكون الانطباق قهرياً وهو يوجب الانحلال على ما تقدم.

وإما إذا فُرض تأخر المعلوم بالتفصيل بأن حدثت النجاسة بعد الظهر فلا انطباق للمعلوم بالإجمال على هذا الفرد وإنما هي نجاسة أخرى غير النجاسة المعلومة بالإجمال، فلا ينحل العلم الإجمالي حقيقة، فشرط الانحلال الحقيقي هو عدم تأخر المعلوم بالتفصيل عن المعلوم بالإجمال وهذا يشمل صورتي التقدم والمعاصرة.

نعم لا يشترط في الانحلال الحقيقي عدم تأخر العلم التفصيلي عن العلم الإجمالي وإنما يشترط عدم تأخر المعلوم بالعلم التفصيلي عن المعلوم بالعلم الإجمالي، ففي المثال السابق إذا علمنا آخر النهار بنجاسة أحدهما المعيّن قبل الظهر إنحلَّ العلم الإجمالي وإن كان العلم التفصيلي متأخراً عن العلم الإجمالي.

وأما الانحلال الحكمي بالعلم التفصيلي فإنه يُشترط فيه عدم تأخر العلم التفصيلي عن العلم الإجمالي، فلو تأخر عنه لم ينحل العلم الإجمالي، فلا يجوز ارتكاب الطرف الآخر حتى إذا كان المعلوم بالتفصيل ثابتاً قبل الظهر، أي متقدماً على المعلوم بالإجمال، وذلك لأنَّ المعلوم بالتفصيل بالنسبة الى تلك الفترة الزمنية – أي ما قبل الظهر – لم يكن منجزاً بشيء لأنَّ المفروض تأخر العلم به، كما أنَّ المفروض حصول العلم الإجمالي بعده، فحينئذٍ لا يتلقى التنجيز لا من العلم التفصيلي ولا من العلم الإجمالي، وبناءً على هذا فلا مانع من جريان الأصل المؤمِّن فيه بلحاظ تلك الفترة ويكون هذا الأصل معارضاً للأصل الجاري في الطرف الآخر فيتنجز حينئذٍ، وهو معنى عدم انحلال العلم الإجمالي.

وأما إذا كان العلمان متعاصرين أو كان العلم التفصيلي متقدماً فيكون هذا الطرف منجَّزاً بالعلم التفصيلي في تلك الفترة فلا يجري فيه الأصل المؤمِّن، وحينئذٍ لا مانع من جريان الأصل المؤمِّن في الطرف الآخر وهو معنى الانحلال الحكمي.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، وهو إذا فُرض قيام العلم التفصيلي على ثبوت التكليف في بعض الأطراف المعيَّن.

المقام الثاني وهو ما إذا فرض قيام الأمارة أو الأصل العملي على التكليف في بعض الأطراف المعين، والكلام يقع في أنَّ ذلك هل يوجب انحلال العلم الإجمالي أو لا يوجبه؟

لا إشكال في عدم الانحلال الحقيقي، لأنه لم يفرض حصول العلم بأحد الطرفين معيناً حتى يتحقق الانحلال، ومعه يبقى العلم الإجمالي على حاله لانحفاظ كلا ركنيه من العلم بالجامع مع احتمالات الانطباق على الطرفين، نعم يقع الكلام في مقامين:

الأول في تحقق الانحلال الحقيقي تعبداً، وهذا يختص بمورد قيام الأمارة على التكليف في أحد الطرفين المعيَّن.

الثاني في تحقق الانحلال الحكمي، وهذا يشمل قيام الأمارات والأصول العملية على التكليف في أحد الطرفين المعيَّن.

أما المقام الأول فذهب المحقق النائيني قده الى تحقق الانحلال الحقيقي ولكن تعبداً بناءً على ما أختاره من أنَّ المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والعلمية والمحرزية، وهذا يعني أنَّ دليل حجية الأمارة - سواءً كان مفاده تنزيل الأمارة منزلة العلم أو اعتبار الأمارة علماً – يدل على ترتب آثار العلم على الأمارة، ومن جملتها الانحلال الحقيقي للعلم الإجمالي، فيثبت الانحلال الحقيقي ولكن تعبداً

والحاصل إنَّ الشارع عبّدنا بالعلم في مورد الأمارة وهذا يعني التعبد بآثاره ومن جملتها الانحلال الحقيقي.