الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي

ذكرنا أنَّ الكلام لا بد أن يقع في أنَّ المعلوم بالعلم بالإجمالي هل هو محدود بحدٍ ومأخوذ فيه خصوصية معينة أو لا، وهذا هو الذي يؤثر في الالتزام بالانحلال أو عدمه.

وذكرنا أنَّ العلم الإجمالي لا بد أن يكون له سبب أوجب حصوله، ولهذا السبب حالتان، وتقدم الحديث عن الحالة الأولى وهي ما إذا كان السبب مختص واقعاً بأحد الطرفين بعينه مع عدم العلم به عند المكلف، وفيها ثلاث صور، أما الأولى فلا إشكال في الانحلال فيها، وأما الثانية فلا إشكال في عدم الانحلال فيها، وإنما الكلام في الصورة الثالثة وهي محل النزاع وقلنا فيها بعدم الانحلال لعدم احراز انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، وتقدم تفصيل ذلك، هذا كله في الحالة الأولى.

الحالة الثانية: وهي أن لا يكون السبب مختصاً بأحد الطرفين بعينه واقعاً وإنما نسبته الى كِلا الطرفين واحدة، ويتحقق ذلك فيما إذا كان العلم الإجمالي ناشئاً من قيام برهان أو دليل على عدم اجتماع طهارة الإناءين مثلاً كما لو علمنا بمساورة الكافر لأحد الاناءين في فترة طويلة لاستبعاد عدم مساورته له في هذه الفترة، فإنَّ هذا العلم الإجمالي بنجاسة أحد إناءي الكافر نشأ من استبعاد أن لا يستعمل أحد الإناءين على الأقل في هذه الفترة، ومن الواضح أنَّ هذا السبب لا يختص بإناء معين واقعاً، وهنا لا يوجد تحديد للمعلوم بالإجمال، أي لم تؤخذ فيه خصوصية، لأنَّ المفروض أنَّ نسبة سبب العلم الاجمالي الى كِلا الطرفين على حد سواء، وفي مثله لا يصح أن نقول أننا نعلم بنجاسة ناشئة من الاستبعاد المذكور مرددة بين هذا الاناء وذاك، بخلاف الحالة الأولى إذ يصح أن نقول أننا نعلم بنجاسة ناشئة من سقوط قطرة دم إما في هذا الاناء وإما في ذاك الإناء، والسر فيه هو أنَّ قطرة الدم تسقط في طرف معين في الواقع ومردد عندنا بين الطرفين، في حين أنَّ الاستبعاد المذكور في الحالة الثانية ليس مصبه طرفاً معيناً واقعاً بل نسبته الى الطرفين نسبة واحدة، فما نعلمه إجمالاً هو نجاسة مرددة بين الطرفين لا نجاسة ناشئة من الاستبعاد المذكور مرددة بين هذا الطرف أو ذاك، وهذا يعني أنَّ المعلوم بالإجمال لم تؤخذ فيه خصوصية زائدة يُحتمل على أساسها عدم الانطباق على المعلوم بالتفصيل، وعليه فالمعلوم بالإجمال في هذه الحالة ليس مقيداً بحدٍ أو خصوصية يُحتمل أن تكون مانعة من انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، فالمعلوم بالإجمال هو الجامع بين الأطراف من دون خصوصية زائدة، وهذا الجامع معلوم الانطباق على الطرف المعلوم بالتفصيل فتتحقق السراية ويتحقق الانحلال، هذا هو الضابط.

وتلخص مما تقدم:

أولاً: أنَّ المعلوم بالإجمال إن كان محدوداً بحدٍ وخصوصية يُحتمل أن تكون مانعة من انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل فلا سراية ولا انحلال حقيقي.

ثانياً: إذا لم يكن كذلك - أي أنَّ المعلوم بالإجمال ليس محدود بحدٍ ولم تؤخذ فيه خصوصية - فحينئذٍ يحصل الانحلال.

ثالثاً: إنَّ كون المعلوم بالإجمال محدوداً بحدٍ أو خصوصية يتحقق في الموارد التي يكون سبب العلم الإجمالي فيها مختصاً بطرف معين واقعاً وإن كان مردداً عندنا.

ومنه يُعلم أنَّ كون المعلوم بالإجمال غير محدود بحد وخصوصية يكون في الموارد التي لا يكون سبب العلم الإجمالي مختصاً ببعض الأطراف واقعاً بل نسبته الى كلا الطرفين نسبة واحدة.

الى هنا كان الكلام في حالة قيام علم تفصيلي متعلق بالفرد، وتكلمنا في أنَّ هذا العلم هل يوجب انحلال العلم الإجمالي حقيقة أو لا يوجبه، وتبين بأنَّ العلم التفصيلي قد يوجب الانحلال وقد لا يوجبه باختلاف الموارد.

الانحلال الحكمي:

ولا كلام في إيجاب العلم التفصيلي الانحلال إذ يتحول الى علم تفصيلي في طرف وشك بدوي في الآخر، وإنما الكلام في الموارد الثانية – أي التي فرض فيها عدم الانحلال الحقيقي بالعلم التفصيلي - فيقع الكلام في الانحلال الحكمي بالعلم التفصيلي في موارد عدم الانحلال الحقيقي كما إذا اُخذت خصوصية زائدة في المعلوم بالإجمال.

والمراد بالانحلال الحكمي بطلان منجزية العلم الإجمالي بالرغم من وجوده، وهذا الانحلال تارة يكون بلحاظ القواعد العقلية من دون إدخال الأصول الشرعية في الحساب، وأخرى يكون بلحظ الأصول الشرعية المؤمِّنة.

أما الأول فقد يقال بتحقق بالانحلال الحكمي وسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، وذلك لأنَّ الجامع المعلوم بالإجمال في المقام - وهو الجامع بحده الجامعي - يستحيل أن يتنجَّز بالعلم الإجمالي لأنَّ قابليته لذلك فرع قابلية كِلا الطرفين للتنجُّز بالعلم الإجمالي، والطرف المعلوم بالتفصيل غير قابل لذلك لأنه تنجَّز بالعلم التفصيلي ويستحيل أن يتنجَّز مرتين، فيسقط العلم الإجمالي عن تأثيره في تنجيز الجامع، وهو معنى الانحلال الحكمي.