45/11/03
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
الوجه الخامس: وهو ما يُستفاد من كلمات المحقق العراقي قده، وحاصله:
إنَّ العلم الإجمالي له لازم لا ينفك عنه فاذا فرض انتفاؤه كشف عن انتفاء العلم الإجمالي، ويُدعى أنَّ هذا اللازم غير متحقق في محل الكلام فالعلم الإجمالي كذلك وهو معنى الانحلال، وهذا اللازم عبارة عن قضية تعليقية حاصلها: (إن كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف فهو ليس في الطرف الآخر، وإن كان في الطرف الآخر فهو ليس في هذا الطرف)، فمن يعلم إجمالاً بموت أحد شخصين إما زيد أو عمرو فلازمه أن تصح هذه القضية: (إن كان الميت هو زيد فليس الميت هو عمرو، وإن كان الميت هو عمرو فليس الميت هو زيد)، وكذا في مثال العلم بنجاسة أحد إناءين فالقضية هي: (إن كانت النجاسة في هذا الطرف فالطرف الآخر ليس نجساً، وإن كان النجاسة في ذاك الطرف فهذا الطرف ليس نجساً)، فإذا إنفك هذا اللازم فهذا يعني عدم العلم الإجمالي.
ويقول في محل الكلام - وبعد فرض العلم التفصيلي في أحد الأطراف - لا تصدق هذه القضية التعليقية وهذا يعني انحلال العلم الإجمالي، فلا يصح أن يقول: (إن كانت النجاسة المعلومة بالإجمال في هذا الطرف فالآخر ليس نجساً وإن كانت في الآخر فهذا ليس نجساً) مع فرض أنه يعلم نجاسة هذا الطرف تفصيلاً، ومع عدم صحة القضية التعليقية فهذا يعني زوال العلم الإجمالي وانحلاله.
ويلاحظ عليه: بأنَّ اللازم المذكور ليس المراد به إنَّ الطبيعي المعلوم بالإجمال إن كان موجوداً في هذا الطرف فليس موجوداً في الآخر وإن كان في الطرف الآخر فليس موجوداً في هذا الطرف، لأنه غير صحيح ولا يريده قطعاً، وذلك لاحتمال أن يكون كِلا الطرفين نجساً، والطبيعي ينطبق عليهما، فلا يكون انطباقه على أحدهما موجباً لنفي انطباقه على الآخر، وإنما المراد في كلامه هو أنَّ المعلوم بالعلم الإجمالي وهو واحد لا أكثر هو الذي يراد من اللازم، وهو الذي يوجد في أحد الطرفين ولا يوجد في الآخر، وهذا صحيح ويساعد عليه الوجدان، لكن انطباقه في المقام موقوف على تحقيق ما تقدمت الإشارة إليه وهو أنَّ الجامع المعلوم بالإجمال هل أخذت فيه خصوصية لم تؤخذ في المعلوم بالتفصيل ويحتمل لذلك عدم انطباقه على المعلوم بالتفصيل أو لم تؤخذ ، فعلى الأول فالصحيح أنَّ اللازم المذكور موجود إذ يقال بأنَّ هذا الجامع ذا الخصوصية إن كان في هذا الطرف فليس في ذاك وإن كان في ذاك فهو ليس في هذا الطرف فلا انحلال، وعلى الثاني فاللازم المذكور منتفي ويتحقق الانحلال لأنَّ الجامع معلوم الانطباق على هذا الفرد فلا تصح القضية التعليقية بأن يقال لو كان الآخر نجساً فهذا ليس نجساً للعلم بنجاسة هذا الفرد على كل حال.
هذه أهم الوجوه التي يُستدل بها على الانحلال، وقد تبين مما تقدم بأنَّ الانحلال وعدمه يرتبط بتحقيق تلك القضية، وهي أنَّ الجامع المعلوم بالإجمال هل أُخذت فيه خصوصية معينة يحتمل على أساسها أن لا ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل وينطبق على الطرف الآخر أو لم تؤخذ فيه مثل تلك الخصوصية، فعلى الأول لا انحلال ولا يتم شيء من هذه الوجوه الخمسة، وعلى الثاني يتحقق الانحلال.
الوجوه التي إستُدل بها لعدم الانحلال
إستُدل بوجوه لعدم الانحلال، ومعظمها مستفاد من كلمات المحقق العراقي قده، وهي:
الوجه الأول: دعوى الوجدان على عدم الانحلال، وقد استدل به القائل بالانحلال أيضا كما تقدم، ولعل الاختلاف في هذه الدعوى لاختلاف الموارد فمن يدعي الوجدان على الانحلال ينظر الى مورد عدم أخذ الخصوصية في المعلوم بالإجمال، والذي يدعي الوجدان على عدم الانحلال ينظر الى مورد أخذ الخصوصية في المعلوم بالإجمال فيحتمل على أساسها عدم انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، فلا يتوارد الوجدانان على مورد واحد.
الوجه الثاني: الاستدلال على عدم انحلال العلم الاجمالي ببقاء لازمه، وهو عكس الوجه الخامس المتقدم، وهو احتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر، وهو احتمال موجود بالوجدان، فيستكشف من بقاء اللازم بقاء الملزوم وإلا لاستحال وجود هذا الاحتمال.
وبعبارة أخرى أنَّ احتمال انطباق المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر يكشف عن وجود هذا الاحتمال بنفسه في الطرف المعلوم بالتفصيل أيضاً، لأنَّ احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على طرفٍ لا بد أن يقابله احتمال الانطباق على الطرف الآخر وإلا لقطعنا بالانطباق على الطرف الآخر، وهذا يعني أنَّ الركن الثاني للعلم الإجمالي - وهو احتمالات الانطباق بعدد الأطراف – موجود، والركن الأول موجود أيضاً وهذا يعني أنَّ العلم الإجمالي موجود.
ويلاحظ عليه إنَّ مجرد احتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر لا يكشف عن وجود العلم الإجمالي وبقائه، فلو فرضنا إننا علمنا بوجود زيد في المسجد فنحن نعلم بوجود الجامع - أي الانسان - في ضمنه في المسجد، وقد نحتمل في نفس الوقت وجود الجامع في ضمن عمرو، فالجامع محتمل الانطباق على عمرو، ومن الواضح أنه لا يتشكل علم اجمالي في هذا المثال بالرغم من وجود العلم بالجامع مع احتمالات الانطباق، فمجرد العلم بالجامع واحتمال الانطباق لا يكون بمفرده دليلاً على وجود العلم الإجمالي، والسر فيه أنَّ ما يحتمل انطباقه على عمرو هو الجامع بحده الجامعي وهو بهذا الحد ليس معروضاً للعلم، وإنما المعروض هو الجامع ضمن الخصوصية وهو زيد في المثال، وهو بهذا الحد لا يحتمل انطباقه على عمرو، إذن العلم الإجمالي لا يمكن إثباته بمجرد أنَّ الجامع يحتمل انطباقه على الطرف الآخر بل لابد أن يكون الجامع المحتمل الانطباق على عمرو محدوداً بنفس الحد الذي تعلَّق به العلم التفصيلي.