45/10/26
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول
قد يُستدل على جواز المخالفة القطعية بدعوى انحلال العلم الإجمالي في باقي الأطراف بعد ارتكاب جملة منها استناداً الى الاطمئنان بعدم الانطباق الموجود في كل طرف حتى الطرف الأخير بعد ارتكاب جميع الأطراف، فيكون احتمال التكليف في كل طرف غير مقرون بالعلم الإجمالي، فتكون شبهات بدوية في الأطراف، وهو نظير قيام الأمارة على عدم التكليف في بعض أطراف العلم الإجمالي حتى في الشبهة المحصورة.
وقد يُشكل عليه بأنَّ ارتكاب بعض الأطراف لا يوجب انحلال العلم الاجمالي لأنه من قبيل تلف بعض الأطراف وخروجها عن محل الابتلاء الذي لا يوجب انحلال العلم الإجمالي بلا إشكال.
ويجيب المستدل عن ذلك بأنهم فرقوا في فرض تلف بعض الأطراف وخروجها عن محل الابتلاء بين ما إذا كان التلف حاصلاً بعد تشكل العلم الإجمالي وبين ما إذا كان حاصلاً قبل حصول العلم الإجمالي، والذي لا يوجب الانحلال هو التلف الحاصل بعد تشكل العلم الإجمالي، كما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين فأريق أحدهما فهذا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي، ويظهر أثره في الطرف الآخر فيجب الاجتناب عنه، وذلك لأنَّ العلم الإجمالي حينما حصل كانت الأطراف موجودة وتنجزت به وخروج بعضها عن محل الابتلاء لا يوجب الانحلال، بخلاف ما إذا كان التلف حاصلاً في بعض الأطراف قبل حصول العلم الإجمالي فهو يوجب انحلال العلم الإجمالي بل يوجب عدم تشكله أصلاً، ومحل الكلام من قبيل التلف قبل حصول العلم الإجمالي الموجب لانحلال العلم الإجمالي، وذلك لأنَّ المكلف عندما تشكل عنده العلم الإجمالي بأنَّ أحد الآنية الكثيرة فيها نجاسة كان لديه اطمئنان بعدم الانطباق في كل طرف على سبيل البدل، فإنَّ كان ذلك مبرراً لارتكاب الطرف فهو يوجب انحلال العلم الإجمالي من أول الأمر لا بعد ارتكاب أطراف كثيرة، فيكون من قبيل التلف الحاصل قبل حصول العلم الإجمالي.
والتعليق عليه:
إنَّ الاطمئنان بعدم الانطباق الذي يمنع من منجزية العلم الإجمالي هو على نحو البدل وهو لا يوجب الانحلال، وليس حاله حال قيام الأمارة المعتبرة على عدم التكليف في بعض الأطراف، وإنما هو من قبيل الاضطرار الى بعض الأطراف لا بعينه، وذلك لأنه في كل منهما يكون مسوغاً لارتكاب الطرف ولكن لا على نحو التعيين وإنما على نحو البدل وهو لا يوجب الانحلال كما سيأتي، نعم لو كان الاطمئنان بعدم الانطباق منحصراً في طرف بعينه لكان بمثابة الاضطرار الى أحد الأطراف بعينه وهو يوجب انحلال العلم الإجمالي، لكن هذا الفرض غير محل الكلام لأنَّ الاطمئنان بعدم الانطباق في محل الكلام هو على سبيل البدل.
فالصحيح هو ما ذكرناه من أنَّ المستند في البحث السابق إن كان هو الاطمئنان بعدم الانطباق وهو الذي لا يوجب الموافقة القطعية ويجوِّز ارتكاب بعض الأطراف فهو أيضاً يجوز ارتكاب المخالفة القطعية فضلاً الاحتمالية، وأما إذا كان المستند في عدم التنجيز في البحث السابق هو قاعدة نفي العسر والحرج فالظاهر أنه ينتج حرمة المخالفة القطعية وذلك لأنّ مقتضى هذه القاعدة تجويز ارتكاب الأطراف بالمقدار الذي يندفع به العسر والحرج، ومن الواضح إنَّ رفع الحرج لا يتوقف على ارتكاب الجميع، بل يتحقق بارتكاب البعض فيكون هو الجائز لا الجميع.
والحاصل إنَّ الحرج إنما هو في منع المكلف من ارتكاب الجميع أي إلزامه بالموافقة القطعية فيرتفع هذا المنع، فهذا لا يقتضي الترخيص في ارتكاب الجميع وإنما يقتضي الترخيص في ارتكاب البعض فقط، فلا يصح الاستدلال بهذه القاعدة على عدم حرمة المخالفة القطعية.
وأما إذا كان المستند هو الدليل الثاني من أنه لا تنافي بين الترخيص الظاهري في جميع الأطراف وبين الحكم الالزامي المعلوم بالإجمال - لا في عالم الجعل ولا في المبادئ ولا بين ما يطلبه التكليف في مقام الامتثال - فحينئذٍ يتعين الالتزام بعدم حرمة المخالفة القطعية، أي تجويز المخالفة القطعية وارتكاب جميع الأطراف، وذلك باعتبار أنَّ المقتضي للارتكاب موجود في كل طرف طرف وهو عبارة عن الترخيص الظاهري المستفاد من أدلته فإذا إحتف بعدم المانع أثَّر أثره وبالتالي يجوز الارتكاب، وعدم المانع يستفاد مما تقدم من أنه لا تنافي بين الترخيص الظاهري في كل طرف طرف وبين التكليف المعلوم بالإجمال.