45/10/22
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول
الكلام في جواز المخالفة القطعية أو حرمة المخالفة القطعية في الشبهة غير المحصورة:
والكلام يقع على المباني الأخرى في الشبهة غير المحصورة غير مبنى المحقق النائيني قده ، وهنا يقال: للجواب عن هذا السؤال لا بد من ملاحظة الدليل الذي استُدل به على وجوب الموافقة القطعية وهل ينتج حرمة المخالفة القطعية أو لا، فإذا استندنا في البحث السابق الى مسألة الاطمئنان بعدم الانطباق في تجويز المخالفة الاحتمالية الذي يعني عدم وجوب الموافقة القطعية وسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، فحينئذٍ يكون الجواب يجوز ارتكاب كل طرف مادام الاطمئنان موجوداً، حتى إذا فرضنا أنه يؤدي الى المخالفة القطعية، نعم إذا زال الاطمئنان بأن ارتكب نصف الأطراف أو أكثر فلا يجوز له الارتكاب.
ويبقى الكلام في صغرى هذه القضية فهل يزول الاطمئنان بعدم الانطباق بارتكاب بعض الأطراف كالنصف مثلاً أو لا يزول؟
هنا رأيان:
الأول إنَّ هذا الاطمئنان لا يزول بارتكاب بعض الأطراف فيجوز له الارتكاب، والسر فيه هو أنَّ نسبة الانطباق في الطرف الذي يُريد ارتكابه بعد ارتكاب نصف الأطراف هي نفس نسبة الطرف الأول الذي ارتكبه فإذا كانت، الأطراف 1000 فالنسبة في الطرف الأول هي 1/1000 وهي نفسها في الطرف الذي يريد ارتكابه بعد ارتكاب 500 طرف، وعليه تكون نسبة عدم الانطباق في كل طرف هي 999/1000 وهذا اطمئنان بعدم الانطباق وهو موجود في كل طرف حتى في الطرف الذي يريد ارتكابه بعد ارتكاب جملة كبيرة من هذه الأطراف.
الثاني إنَّ الاطمئنان بعدم الانطباق يزول بارتكاب بعض الأطراف، أي يوجد فرق بين الطرف الأول الذي ارتكبه وبين الطرف الذي يريد ارتكابه بعد أن ارتكب نصف الأطراف مثلاً، ففي فالاطمئنان بعدم الانطباق في الطرف الأول موجود وفي الأخير الذي يريد ارتكابه غير موجود، وذلك باعتبار أنَّ منشأ الاطمئنان بعدم الانطباق في كل طرف هو افتراض الانطباق في باقي الأطراف، أي أنَّ مجموع احتمالات الانطباق في 999 طرف على سبيل البدل وهو الذي يولد الاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف ، وهذا يؤثر في زوال الاطمئنان بعدم الانطباق بعد ارتكاب نصف الأطراف مثلاً، لأنَّ الاطمئنان بالانطباق في الأفراد الباقية يتأثر بارتكاب تلك الأطراف بطبيعة الحال، فإذا كان الاطمئنان بعدم الانطباق في الطرف الأول متولداً من الاطمئنان بالانطباق في 999 طرف فهو يتناقص بارتكاب الأطراف، وقد لا يبقى بارتكاب نصف الأطراف مثلاً، وأوضح منه ما لو ارتكب 950 طرفاً فيبقى 50 طرف فإذا أراد ارتكاب أحدها فلا يكون لديه اطمئنان بعدم الانطباق بلحاظ هذه الأفراد المتبقية، فلا يجوز له ارتكابه لعدم الاطمئنان بعدم الانطباق.
والصحيح هو الرأي الأول أي أنَّ الاطمئنان بعدم الانطباق لا يزول بارتكاب بعض أطراف العلم الإجمالي، لأنَّ هذا الاطمئنان بعدم الانطباق موجود في كل طرف من هذه الأطراف حتى بعد ارتكاب قسم كبير منها، وذلك لأنَّ الاحتمالات المجتمعة - وهي كل الأطراف الأخرى - هي 999 طرف دائماً سواءً أرتكب بعضاً منها أو لا، فارتكاب الطرف أو عدمه لا يؤثر في وجود احتمال الانطباق فيها ومساهمته في صنع الاطمئنان بعدم الانطباق في الطرف الذي يريد ارتكابه.
والحاصل إنَّ الاطمئنان بالانطباق في كل طرف لا ينافي الاطمئنان بعدم الانطباق في كل طرف على سبيل البدل لأنه لا يزيد على العلم الإجمالي في جميع الأطراف، والاطمئنان بعدم الانطباق في أول طرف يرتكبه موجود أيضاً في أي طرف يريد ارتكابه بعد ارتكاب كثير منها، وذلك لأنَّ منشأ هذا الاطمئنان هو الاطمئنان بالانطباق في الباقي على سبيل البدل ولا يختص بطرف دون آخر، ولا داعي لتخصيصه بالمتبقي من الأطراف، بل يعمه وما ارتكبه من الأطراف سابقاً، ومن الواضح أنَّ وجود الاطمئنان بالانطباق فيها على سبيل البدل وهو منشأ الاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف الذي يريد ارتكابه، حتى بعد ارتكاب نصف العدد أو ما يزيد على ذلك.
ومن هنا يظهر أنَّ القول الثاني كان يفترض خروج الأطراف التي ارتكبها عن الحساب والتأثير، وتكون الملاحظة والتأثير للمتبقي منها فلا يُعلم أنَّ الاطمئنان بالانطباق الموجود في الباقي يساههم في صنع الاطمئنان بعدم الانطباق في الطرف الذي يريد ارتكابه، نعم إذا لاحظنا ما تبقى من الأطراف بعد الارتكاب فإنَّ احتمال الانطباق في كل طرف منها لا يوجب حصول الاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطراف الذي يريد ارتكابه الآن، لكن هذا لا وجه له
فالصحيح هو عدم زوال الاطمئنان بعدم الانطباق بارتكاب البعض، فيجوز الاستناد إليه في ارتكاب الجميع، فلا تحرم المخالفة القطعية، بناءً على أنَّ الدليل في جواز ارتكاب البعض - أي عدم وجوب الموافقة القطعية - هو الاطمئنان بعدم الانطباق.
بل قد يُستدل على إتمام هذه الدعوى بدعوى انحلال العلم الإجمالي بعد ارتكاب بعض الأطراف استناداً الى الاطمئنان بعدم الانطباق، فيكون احتمال التكليف في باقي الأطراف غير مقرون بالعلم الإجمالي فتجري فيها الأصول المؤمِّنة، وهذا نظير انحلال العلم الإجمالي بقيام أمارة معتبرة على التكليف في هذا الطرف فيكون الشك في الباقي من الشبهة البدوية فيمكن إجراء الأصول المؤمِّنة فيه.