45/10/20
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول
خلاصة ما ذكرناه في مقام مناقشة الجواب الحلِّي الذي ذكره السيد الخوئي قده هو أنَّ الصحيح عدم وجود محذور عقلي من إجراء الأصول المؤمَّنة في أطراف العلم الإجمالي، وما ذكره ليس محذوراً عقلياً لأنه مبني على افتراض المنافاة بين المعلوم بالإجمال وبين الترخيص في جميع الأطراف، نعم يمكن أن يُصاغ كمحذور عقلائي، لكنه إنما يتم في الشبهة المحصورة وأما في غير المحصورة فلا محذور حتى عقلائياً لأنَّ العقلاء يتعقلون تقديم الأغراض الترخيصية على الأغراض اللزومية عندما يكون الغرض اللزومي واحداً في ضمن أفرادٍ كثيرة، هذا كله في الدليل الثاني.
الدليل الثالث وهو ما فُهم من مناقشة الدليل الثاني وحاصله:
لا يوجد محذور عقلي من إجراء الأصول في تمام الأطراف حتى إذا كانت الشبهة محصورة، وذلك لعدم المنافاة عقلاً بين الترخيص الظاهري في تمام الأطراف وبين الحكم الواقعي المعلوم إجمالاً لما تقدم من أنه لا مانع عقلاً من افتراض تقديم الأغراض الترخيصية على الغرض اللزومي المعلوم بالإجمال على أساس أهمية الأغراض عند الشارع، فالمكلف إذا اختلطت عنده الأغراض ولم يكن قادراً على تمييزها حتى يمكنه تحصيلها جميعاً كما في موارد العلم الإجمالي يدور أمره بين تحصيل الغرض اللزومي بالاحتياط وتفوته الأغراض الترخيصية وبين تحصيل الأغراض الترخيصية بإجراء البراءة في جميع الأطراف ولكن يفوته الغرض اللزومي، وأي محذور في افتراض أنَّ الشارع يرى أهمية الأغراض الترخيصية وتقديمها على الغرض اللزومي المعلوم إجمالاً، نعم المحذور عقلائي وهو يرتفع مع افتراض كثرة الأطراف على ما تقدم توضيحه.
الدليل الرابع: ما يقال من أنَّ وجوب الموافقة القطعية في الشبهة غير المحصورة يستلزم العسر والحرج وهما منفيان شرعاً، وهذا يعني انتفاء التكليف الموجب لهما فينتفي وجوب الموافقة القطعية، وهذا يعني أنَّ العلم الإجمالي في موارد الشبهة غير المحصورة لا يُنجّز وجوب الموافقة القطعية.
ونوقش بعدة مناقشات:
المناقشة الأولى: إنَّ العسر والحرج المنفي شرعاً هو العسر والحرج الشخصي وهو يختلف باختلاف الأشخاص والزمان والظروف، فقد يكون الشيء موجباً للعسر بالنسبة الى شخص وفي ظرف ما ولا يكون كذلك بالنسبة الى شخص آخر وفي ظرف آخر، فلا يمكن الالتزام بانتفاء الحكم الشرعي عمن لا يكون الحكم حرجياً بالنسبة إليه لمجرد كونه حرجياً بالنسبة الى شخص آخر، وعليه يسقط وجوب الموافقة القطعية على من يقع في العسر والحرج أما غيره فلا، فلا بد من التفصيل.
المناقشة الثانية: هي دعوى أنَّ أدلة نفي العسر والحرج ليست ناظرة الى الأحكام العقلية وإنما هي ناظرة الى الأحكام الأولية الثابتة بجعل الشارع وتكون أدلة نفي العسر والحرج مخصصة لها، ووجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي حكم عقلي لا تخصصه أدلة نفي العسر والحرج.
فإن قيل يمكن تطبيق أدلة نفي العسر والحرج على نفس الحكم الشرعي المعلوم بالإجمال كوجوب الاجتناب عن النجس المعلوم في ضمن هذه الآنية وهو تكليف شرعي يمكن تخصيصه بها، وإذا ارتفع التكليف الشرعي انتفى الحكم العقلي بوجوب الموافقة القطعية قهراً، وعليه يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز تمسكاً بأدلة نفي العسر والحرج.
وجوابه: إنَّ امتثال الحكم الشرعي في نفسه لا يلزم منه العسر والحرج، ولذا لو علم المكلف بالنجس تفصيلاً لأمكن اجتنابه، وإنما يلزم ذلك من حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية، فلا يمكن تطبيق هذه الأدلة لا على وجوب الموافقة القطعية لأنه حكم عقلي ولا على الحكم الشرعي المعلوم بالإجمال لأنه لا يلزم منه العسر والحرج.
وهذه المسألة - أي أنَّ أدلة نفي العسر والحرج هل تشمل الأحكام العقلية أو تختص بالأحكام الشرعية - محل خلاف خصوصاً بين المحقق الخراساني قده الذي اختار ذلك وبين جماعة من المحققين اختاروا شمول القاعدة للأحكام العقلية إذا لزم منها العسر والحرج.
قد يقال: إنَّ ما ذهب إليه المحقق الخراساني قده من عدم الشمول هو المفهوم من أدلة القاعدة كقوله تعالى: ﴿وَما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدّينِ مِن حَرَجٍ﴾[1] فالمنظور في الآية هو ما يُجعل في الدين وهو الأحكام الشرعية.
ولوحظ عليه: بأنَّ حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية هو حكم ثابت لتكليف المولى وليس حكماً ثابتاً لحاكم آخر بمعزل عن الحاكم الشرعي، فحكم العقل إنما هو لمراعاة حكم الشارع ولحق المولوية الثابت له فلا يكون أجنبياً عن الدين.