الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول

الدليل الثاني على سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز في الشبهة غير المحصورة:

وهو مبني على ما تقدم نقله في البحث السابق عن المحقق النائيني قده في تحديد ميزان الشبهة المحصورة من عدم تمكن المكلف من المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال بارتكاب جميع أطرافها لكثرتها، فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ولا مانع من جريان الأصول المؤمِّنة في جميع أطرافها، ولا يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية لعدم تمكن المكلف من ذلك بحسب الفرض، وهذا نظير ما ذكرناه في دوران الأمر بين محذورين من أنه لا مانع من جريان الأصل في الطرفين لأنه لا يؤدي الى الترخيص في المخالفة القطعية بعد عدم قدرة المكلف عليها، غاية الأمر أنَّ عدم القدرة على المحالفة القطعية هنا إنما هو من جهة كثرة الأطراف.

وهذا الدليل ذكره السيد الخوئي قده وأجاب عنه بجوابين:

الأول بالنقض بالشبهة المحصورة، إذ يمكن افتراض عدم قدرة المكلف على المخالفة القطعية فيها فهل يُلتزم بسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وجريان الأصول في الأطراف؟

والجواب لا يمكن الالتزام بسقوط العلم الإجمالي عن المنجزية حتى مع عدم التمكن من المخالفة القطعية.

الثاني بالحل وذلك بأنَّ ما يلزم من إجراء الأصول في جميع الأطراف ليس منحصراً في الترخيص في المخالفة القطعية وهو قبيح ولا يمكن الالتزام به، وإنما هناك محذور آخر وهو الترخيص القطعي في المخالفة اللازم من إجراء الأصول في جميع الأطراف، بمعنى أنَّ الشارع رخَّص في مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال ترخيصاً قطعياً وإن كان ظاهرياً، وهذا غير الترخيص في المخالفة القطعية التي هي مخالفة عملية، لأنَّ جريان الأصول في جميع الأطراف يعني ثبوت الترخيص القطعي من الشارع في المخالفة لأنَّ المفروض ثبوت الالزام في بعض الأطراف، وبعبارة أخرى إنَّ المحذور ليس فقط هو أنَّ إجراء الأصول في الجميع يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية حتى يقال بأنه لا يلزم في المقام لعدم قدرة المكلف عليها فلا مانع من جريانها حينئذٍ، بل المحذور أيضاً في نفس إجراء الأصول في الأطراف، لأنه ترخيص ظاهري في جميع الأطراف وهو محذور لأنه ترخيص قطعي في المخالفة مع افتراض العلم الإجمالي بالتكليف والالزام، وهو مما لا يمكن الالتزام به وإن لم يلزم الترخيص في المخالفة القطعية العملية لعدم القدرة عليها.

والتعليق عليه:

الظاهر أنَّ الجواب النقضي تام، ولا يرد عليه ما تقدم من أنَّ المحقق النائيني قده يعتبر في الشبهة غير المحصورة كثرة الأطراف مضافاً الى عدم التمكن من المخالفة القطعية، لأنَّ الكلام هنا ليس عن الميزان في الشبهة غير المحصورة وإنما الكلام فعلاً في جريان الأصل المؤمن في الأطراف وما ذكره المحقق النائيني قده من تعليل إمكان جريانه بأنه لا يؤدي الى الترخيص في المخالفة القطعية لعدم القدرة عليها يستلزم الالتزام بجريانه في أطراف الشبهة المحصورة إذا كان المكلف غير قادر على ارتكاب جميع الأطراف.

وأما الجواب الحلي فقد تقدم في بعض الأبحاث إمكان وجود قبح ذاتي ومحذور عقلي في جريان الأصل في جميع الأطراف مع افتراض عدم أداء ذلك الى الترخيص في المخالفة القطعية وذلك لأنَّ المحذور المدعى في المقام لا بد أن يكون باعتبار المنافاة بين الترخيص الظاهري في الجميع وبين الحكم الواقعي المعلوم اجمالاً.

والصحيح هو عدم المنافاة، لأنها إما أن تكون في مرتبة الجعل، وإما أن تكون في مرتبة المبادئ للحكم الواقعي، وإما أن تكون في مرتبة ما يتطلبه الحكم الواقعي في مقام الامتثال، أما في مرتبة الجعل بما هو جعل مجرداً عن مبادئه وعن الامتثال فهو سهل المؤونة وليس فيه أي منافاة للترخيص الظاهري.

وأما في مرتبة المبادئ فلا منافاة بينهما أيضاً إما لأنَّ الأحكام الظاهرية مبادئها قائمة في نفس جعلها بخلاف الأحكام الواقعية فإنَّ مبادئها قائمة في متعلقاتها كما يقول السيد الخوئي قده فلا منافاة.