45/10/14
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول
حاصل الاعتراض الثالث هو دعوى أنَّ الاطمئنان بعدم إنطباق التكليف المعلوم بالإجمال على هذا الطرف معارض بالاطمئنان في الأطراف الأخرى، فلا يَسلَم حتى يعتمد عليه في اقتحام هذا الطرف، وبالتالي سقوط العلم الإجمالي عن تنجيز وجوب الموافقة القطعية، وهذا على غرار ما يقال في باب الأصول المؤمّنة من تعارضها في الأطراف وتساقطها، كما لا يمكن الالتزام بثبوتها في جميع الأطراف لمنافاته العلم الإجمالي، وكذا لا يمكن الالتزام بجريانها في طرف دون آخر لأنه ترجيح بلا مرجح، فكذا الحال في الإطمئنان حتى لو فرض وجوده.
والجواب عنه: هو أنَّ العلم الإجمالي بكذب أحد الأدلة إنما يؤدي الى تعارضها وتساقطها في موردين، والمدعى عدم تحقق واحد منهما في محل الكلام، وهما:
المورد الأول: تكاذب الدليلين، فلو عُلم إجمالاً بكذب واحد من الدليلين لأدى ذلك الى تعارضهما وتساقطهما، كما لو دلَّ دليل على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ودلَّ آخر على وجوب الظهر، فكل منهما يكذب الآخر بالدلالة الالتزامية فيتعارضان ويسقطان عن الاعتبار، والمجيب عن الاعتراض يقول إنَّ هذا المورد غير متحقق في محل الكلام بمعنى أنه لا تكاذب بين الاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف المراد اقتحامه وبين الاطمئنان كذلك في الموارد الأخرى، وعليه لا يمكن الالتزام بالتعارض والتساقط على أساس التكاذب، وتوضيحه:
إذا لوحظ الاطمئنان بعدم الانطباق في الطرف الأول مع الاطمئنان بعدم الانطباق في الطرف الثاني فعدم التكاذب يكون واضحاً، ويمكن أن يصدقا معاً بأن لا يثبت فيهما التكليف المعلوم بالإجمال، وكذا الكلام إذا لوحظ الطرف الثالث مع الطرف الأول وهكذا، وإذا لاحظنا مجموع الاطمئنانات بعدم الانطباق في الأطراف الأخرى فأيضاً لا نجد تكاذباً فيما بينها، لأنَّ هذه المجموعة من الاطمئنانات بعدم الانطباق لا تؤدي الى الاطمئنان بعدم الانطباق في جميع هذه الأطراف المساوق للاطمئنان بالانطباق على غيرها – أي على الطرف الأول المراد اقتحامه – حتى يحصل التكاذب بينها وبين الاطمئنان بعدم الانطباق في غيرها، وذلك لما تقدم في الجواب الحلَّي المتقدم من أنَّ هذه الاطمئنانات بعدم الانطباق إذا كانت ثابتة ثبوتاً مقيداً بافتراض الانطباق في غيرها ولم تكن مطلقة فإنَّ اجتماعها لا يؤدي الى الاطمئنان بالمجموع - أي الاطمئنان بالسالبة الكلية - حتى يكون مكذباً للاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف، وقد عرفت أنَّ الاطمئنانات بعدم الانطباق في المقام من هذا القبيل - أي مقيدة - فلا يثبت بمجموعها الاطمئنان بعدم الانطباق في جميع الأطراف الباقية المستلزم للاطمئنان بالانطباق في هذا الطرف حتى يكون منافياً للاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف.
وللتوضيح ذلك نُمثل بما إذا علم إجمالاً بنجاسة الماء في أحد الآنية، ولنفترض أنَّ عددها 1000 إناء، فيقال:
إنَّ كل إناء من هذه الآنية يوجد اطمئنان بعدم النجاسة فيه، والاعتراض يقول: إنَّ الاطمئنان بعدم نجاسة هذا الإناء معارض بالاطمئنان بعدم نجاسة الأطراف الأخرى فلا يمكن التعويل عليه.
والجواب يقول: إنَّ هذا التعارض والتساقط إذا كان على أساس التكاذب فهو غير متحقق في محل الكلام لأنه لا تكاذب بين الاطمئنان بطهارة هذا الإناء وبين الاطمئنان بطهارة الاناء الثاني وهذا واضح، كما لا تكاذب إذا لاحظنا الاطمئنان في الطرف الأول مع مجموع الاطمئنانات الموجودة في باقي الآنية، لأنَّ هذا تكاذب إنما يصح عندما نفترض أنَّ مجموع هذه الاطمئنانات يؤدي الى الاطمئنان بطهارة جميع هذه الأفراد وحينئذٍ يتعارض مع الاطمئنان في الطرف الأول ويتساقطان، إلا ذلك غير متحقق في محل الكلام لأنَّ هذه الاطمئنانات وإن كانت موجودة في كل طرف في حد نفسه إلا أنَّ مجموعها لا يؤدي الى السالبة الكلية لما تقدم في الجواب الحلَّي من أنَّ مجموعها إنما يؤدي الى السالبة الكلية حيث تكون مطلقة لا مقيدة وقد عرفت أنها مقيدة بالانطباق في الأطراف الأخرى.
وخلاصة الجواب هو أنَّ تعارض والتساقط على أساس التكاذب بين الأدلة غير متحقق في محل الكلام، هذا بلحاظ المورد الأول.
المورد الثاني: وهو أن يقال يلزم من البناء على حجية كِلا الدليلين الترخيص في المخالفة القطعية فيقع التعارض بينهما، كما لو فرضنا أنَّ دليلين دلَّا على حلية شيئين مختلفين ولكن علمنا من الخارج بحرمة أحدهما، فيحصل العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين، فيتعارضان ويتساقطان، ولكن لا من جهة التكاذب وإنما لأنَّ البناء على حجية كِلا الدليلين يؤدي الى الترخيص في المخالفة القطعية من جهة جواز ارتكاب كِلا الأمرين مع العلم بحرمة أحدهما.
والسؤال هل هذا التعارض متحقق في محل الكلام أو لا؟
المجيب يدعى أنه غير متحقق أيضاً.