الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول

 

كان الكلام في الدليل على سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز لمجرد كثرة الأطراف لا ملاك آخر، وقد ذكروا له أدلة يُدعى فيها أنَّ السقوط ناشئ من كثرة الأطراف فقط:

الدليل الأول: ما تقدم نقله عن الشيخ الأنصاري قده من أنَّ كثرة الأطراف توجب أن يكون إحتمال التكليف موهوماً وضعيفاً في كل طرف بنحو يحصل الإطمئنان بعدمه في هذا الطرف، والاطمئنان حجة يجوز التعويل عليه لارتكاب هذا الطرف.

الاعتراضات عليه:

الاعتراض الأول: إنَّ الاطمئنان إنما يكون حجة عندما لا يكون للمحتمل أهمية خاصة فيمكن التعويل عليه كما إذا كان المحتمل من الأغراض الدنيوية، فمثلاً لو عُلم بوجود سُم في أحد الآنية التي في البلد فهذا الاحتمال في كل إناء ضعيف جداً فيحصل اطمئنان بعدم وجوده في هذا الطرف فيمكن التعويل عليه، ولذا نرى العقلاء لا يتوقفون عن ارتكابه، وإما إذا فرضنا أنَّ المحتمل كان مهماً في نفسه وإن كانت درجة احتماله ضئيلة كما هو الحال في الدماء فلا يعوّل العقلاء على الإطمئنان بالعدم بل يهتمون بالاحتمال ولو كان ضعيفاً، وحيث أنَّ محل الكلام هو من قبيل الثاني وأنَّ المحتمل له أهمية خاصة وهو احتمال الضرر الأخروي والعقاب عند المخالفة الناشئ من احتمال التكليف وهو مهم وإن كانت نسبة الاحتمال ضعيفة، فالنظر هنا ليس الى قوة الاحتمال فقط وإنما له ولأهمية المحتمل.

وأجيب عنه: بأنَّ هذا الاعتراض إنما يرد إذا كان الشيخ يقصد من الاطمئنان التمسك بالاطمئنان بعدم العقاب الأخروي، لكنه لا يقصد ذلك وإنما يستند الى القطع بعدم العقاب المستفاد من ضعف احتمال التكليف في هذه الأطراف، وذلك لأنَّ الإطمئنان بعدم العقاب على المخالفة مما أمضاه الشارع فصار حجة شرعاً وهو الموجب للقطع بعدم العقاب على تقدير المخالفة، فالذي يورثه الاطمئنان بعدم التكليف في كل طرف هو القطع بعدم العقاب على تقدير المخالفة وهو المؤمِّن والمجوِّز لارتكاب هذا الطرف.

والحاصل: إنَّ مقصوده هو أنَّ الاطمئنان بعدم التكليف لما كان حجة ومؤمّناً عقلائياً وشرعاً باعتبار عدم الردع فحينئذٍ يحصل القطع بعدم العقاب على تقدير المخالفة لوجود المؤمِّن فلا يرد عليه هذا الاعتراض.

ومنه يتبين أنَّ الاعتراض الأول على الدليل الأول ليس وارداً.

الاعتراض الثاني: أن يقال نمنع من حصول الاطمئنان بعدم التكليف في كل طرف، وذلك لأنَّ الأطراف الكثيرة متساوية في استحقاق هذا الاطمئنان، فإذا فرضنا وجود اطمئنانات فعلية بعدد الأطراف فإنَّ ذلك يكون مناقضاً للعلم الإجمالي بوجود التكليف في بعض هذه الأطراف، فإنَّ السالبة الكلية الناشئة من جمع الاطمئنانات الفعلية لا تجتمع مع الموجبة الجزئية، أي العلم بوجود التكليف في بعض الأطراف، فدعوى وجود اطمئنان في كل طرف غير صحيحة بل مستحيلة، بل حتى الظن بعدم التكليف لا يجتمع مع الموجبة الجزئية بالتقريب السابق.

والحاصل إنَّ العالم بوجود التكليف في بعض الأطراف لا يمكن أن يحصل له إطمئنان أو ظن بعدم وجوده في جميع الأطراف، فالموجبة الجزئية بالانطباق لا تجتمع مع السالبة الكلية بعدم الانطباق في الجميع، سواء كانت على مستوى الإطمئنان أو على مستوى الظن.

وأجيب عنه بالنقض وبالحل:

أما النقض فبأمرين:

الأول ما ذكره السيد الشهيد قده من أنَّ النقض بالشك في انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف، وبيانه:

لا إشكال في وجود شك في الانطباق في كل طرف على حدة، ففي كل علم إجمالي هناك احتمالات وشكوك بعدم الانطباق بعدد أطراف العلم الإجمالي، وهي فعلية بالوجدان ولا يمكن أن تجتمع مع الموجبة الجزئية المستفادة من العلم الإجمالي، لوضوح أنَّ الموجبة الجزئية لا يمكن أن تجتمع مع السالبة الكلية بعدم الانطباق في الجميع، من دون فرق بين أن تكون السالبة الكلية على مستوى الاطمئنان أو على مستوى الظن أو حتى على مستوى الشك والاحتمال.

الثاني ما ذكره المحقق الشيخ الحلي قده في أصول الفقه - وهو يرجع في روحه الى الأول - من النقض بالشبهة المحصورة فإنها يحتمل فيها عدم الانطباق في هذا الطرف وكذا في الطرف الآخر، أي يحتمل عدم الانطباق في مجموع الطرفين وهذا لا يجتمع مع العلم الإجمالي بوجود التكليف في أحد هذين الطرفين.