الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الأول

كان الكلام في التحديد الثالث الذي ذكره المحقق النائيني قده وحاصله عدم تمكن المكلف من المخالفة القطعية بارتكاب جميع الأطراف في الشبهة التحريمية لكثرتها.

وأورد عليه السيد الخوئي قده بإيرادات إنتهى الكلام الى الإيراد الثالث وهو:

إنّ أريد من عدم التمكن من ارتكاب الأطراف هو عدم التمكن من ارتكابها جميعاً ودفعة واحدة فهو يحصل حتى في بعض الشبهات المحصورة، وإن أريد عدم التمكن من ارتكابها تدريجاً فهذا قلَّما يحصل في الشبهات غير المحصورة، فإنَّ معظمها يتمكن المكلف من ارتكابه ولو في زمان طويل، فلا يتم هذا الميزان.

وأجابوا عن هذا الإيراد بأنه يتم في بعض الأمثلة ولا يتم في غيرها، فيتم فيما إذا كانت الأطراف ثابتة لا تزول ولا تتغير بتطاول الزمان فيقال يمكن للمكلف ارتكاب هذه الأطراف جميعاً تدريجاً، ويمثل له بما إذا حلفَ على أن لا يدخل داراً من دور مدينته فبالرغم من كون الشبهة غير المحصورة إلا أنه يتمكن من ارتكابها في مدة طويلة، فيدخل جميع الدور في عشرين سنة مثلاً وهذه مخالفة قطعية، وأما في غير هذا المثال كما إذا كانت الأطراف متغيرة كالمأكول والمشروب فلا يمكن إن يقال بذلك لزوال هذه الأطراف في مدة قصيرة، فينطبق الميزان المذكور ولا يرد هذا الإيراد.

التحديد الرابع: ما نسبه المحقق النائيني الى الشيخ الأنصاري قده من أنَّ كل شبهة يكون احتمال التكليف في كل طرف من أطرافها موهوماً تكون شبهة غير محصورة.

والسر فيه هو أنًّ الأطراف كلما كثرت كلما ضعف احتمال انطباق التكليف المعلوم بالإجمال على كل طرف.

واللازم لكون الاحتمال في كل طرف موهوماً هو الاطمئنان بعدم التكليف في كل طرف والاطمئنان حجة شرعاً، ولكن قد يكون احتمال عدم التكليف مظنوناً ظناً قوياً - من دون الوصول الى درجة الاطمئنان - فهل يصح تطبيق هذا الميزان؟

وبعبارة أخرى إذا فرضنا الظن بعدم التكليف فهل يمكن الاعتماد على هذا الظن في اقتحام هذا الطرف مع افتراض عدم الدليل الخاص على حجيته وفرض العلم الإجمالي أو لا يمكن ذلك؟

ومن هنا أشكلوا على هذا الميزان بأنه إنما يتم إذا فرضنا أنَّ احتمال التكليف كان ضعيفاً بحيث يحصل الاطمئنان بعدم التكليف في كل طرف، فتكون الشبهة غير محصورة ويسقط العلم الإجمالي عن المنجزية، وأما إذا فرضنا عدم حصول ذلك بأن حصل الظن بعدم التكليف فلا دليل على جواز الاستناد إليه في ارتكاب الطرف وإن كان قوياً مع وجود العلم الإجمالي المنجز لوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية.

التحديد الخامس: أن يقال إنَّ كون الشبهة محصورة أو غير محصورة تابع للصدق العرفي، فإذا صدقت ترتبت عليها أحكامها.

وفيه: أنَّ عنوان الشبهة غير المحصورة أو المحصورة لم يقع موضوعاً لحكم شرعي في شيء من الأدلة حتى يقع البحث عن معناها، ومع العجز عن معرفته يرجع الى العرف لتحديد المراد منه.

ومن هنا يظهر أنَّ جميع هذه التحديدات والموازين لا تخلو من الملاحظة.

والصحيح في المقام أن يقال إنَّ عنوان الشبهة غير المحصورة لم يقع موضوعاً لحكم شرعي في شيء من الأدلة كما تقدم فلا داعي للبحث عن تحديد معناه، وإنما الموجود في المقام هو العلم الإجمالي وحكم العقل بكونه منجزاً لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، ولا إشكال في أنَّ هذا العلم يسقط عن المنجزية في موارد منها ما إذا خرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، ومنها الاضطرار الى ارتكاب بعض الأطراف، ومنها لزوم العسر والحرج من ارتكاب بعض الأطراف في الشبهة الوجوبية أو تركها في التحريمية، وسيأتي تفصيل ذلك، والكلام هنا يقع عن أنَّ كثرة الأطراف بما هي هل توجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية أو أنها لا توجب ذلك ما لم تنضم إليها نكتة أخرى توجب السقوط؟

ثم على الأول يقع الكلام في ما هو المقدار من الكثرة الموجبة لسقوط العلم الإجمالي عن المنجزية؟

ومن الواضح بأنَّ هذا يتطلب معرفة ملاك وسبب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية المدعى في المقام، ثم يقع الكلام في أنَّ هذا الملاك هل هو متحقق مع كثرة الأطراف وبأي مقدار منها؟

وبعبارة أخرى: :إنَّ البحث يكون عن الدليل على السقوط لمجرد كثرة الأطراف من دون فرض ملاك آخر للسقوط ثبت حتى في الشبهة المحصورة.

ومن هنا يمكن أن نذكر عدة أدلة على سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية مع كثرة الأطراف:

الدليل الأول: ما تقدم عن الشيخ الأنصاري قده من أنَّ كثرة الأطراف توجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز لأنَّ احتمال التكليف في كل طرف يكون موهوماً وضعيفاً جداً فيحصل الاطمئنان بعدم التكليف في كل طرف، ومعه يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، وذلك لأنَّ الاطمئنان حجة معتبرة شرعاً وعقلائياً، فالدليل هو أنَّ احتمال الضرر في كل طرف ضعيف جداً بحيث لا يعتني العقلاء.