45/08/23
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث
تقدم أنَّ السيد الشهيد قده ذكر في جوابه أنه بحسب مقام الثبوت وبحسب المدلول الحكائي لا يُعقل في الأحكام الظاهرية التخييرية إلا تعليق الحكم بالجامع لأنَّ تعليق الحكم بكل واحد من الطرفين مشروطاً بترك الآخر يستلزم أن يكون ترك العبد للفعل دخيلاً في الحكم وفي ملاكه، وهذا مما لا معنى له بناءً على ما تقدم من تفسيره لحقيقة الحكم الظاهري.
وأما بحسب مقام الإثبات فإنَّ أدلة الأصول العامة مفادها جعل الترخيص لكل واحد من الطرفين تعييناً وهذا يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، ودفع هذا المحذور وإن أمكن على مستوى المدلول الإنشائي بتقييد الترخيص في كل طرف بترك الآخر لأنه لا يحتاج الى مؤنة زائدة غير مؤنة التقييد اللازم على كل حال إلا أنَّ ذلك غير ممكن على مستوى المدلول التصديقي الحكائي لما عرفتَ مما تقدم فلا بد من تحويل الترخيص من الفردين الى الجامع، وهذا وإن لم يلزم منه المحذور الثبوتي إلا أنه يحتاج الى مؤنة إثباتية ليست موجودة في دليل الأصل، ومنه يظهر أنَّ التخيير وتجويز المخالفة الاحتمالية لا يتم في المقام لا بالنحو المطروح في أصل الشبهة لأنه غير معقول ثبوتاً، ولا بالنحو الثاني – أي تعلق الترخيص بالجامع – لعدم الدليل عليه، لأنَّ الدليل هو الأصل المؤمن وهو لا يتكفل ذلك بل مفاده الترخيص في كل واحد من الطرفين تعييناً.
أقول: من الواضح أنَّ هذا الجواب مبنائي ولا يكون ملزماً للمحقق العراقي الذي لا يلتزم بما ذكره من تفسير الأحكام الظاهرية، كما إذا فرضنا أنَّ المحقق العراقي يلتزم بأنَّ ملاك الحكم الظاهري قائم في نفس جعله، مثلاً الترخيص ملاكه مصلحة التسهيل القائم في نفس جعل الترخيص، فإنه حينئذٍ لا محذور في تقييده وتقييد ملاكه بترك الطرف الآخر بأن تكون هذه المصلحة مؤثرة في الترخيص بهذا المقدار.
مضافاً الى أنه يمكن أن يقال بأنَّ تعلق الترخيص بالجامع لا يحتاج الى مؤنة زائدة إثباتية بل نفس دليل الأصل بعد فرض استحالة شموله للطرفين معاً مطلقاً – أي سواءً مع فعل الطرف الآخر أو مع تركه – وبعد فرض إمكان تقييده على مستوى المدلول الانشائي بترك الآخر يدل بالالتزام على أنَّ الملاك هو أهمية الغرض الترخيصي وترجيحه على الغرض اللزومي في مرحلة الموافقة القطعية، وهذه قرينة إثباتية على أنَّ مصب الترخيص هو الجامع لأنَّ الملاك يقتضي ذلك، لأنَّ أهمية الغرض الترخيصي وترجيحه على اللزومي في مرحلة الموافقة القطعية التي تستلزم عدم إلزامه بالاحتياط وإطلاق العنان له في هذه المرحلة لا تقتضي أكثر من الترخيص في الجامع، أي في أحد الطرفين، ولا مبرر لفرض ترخيصين مشروطين لعدم توقف ما ذُكر من الملاك على افتراض ترخيصين مشروطين في الطرفين لوضوح كفاية الترخيص في الجامع، خصوصاً مع ما تقدم من عدم معقولية أن يكون الملاك ثابتاً للترخيص المشروط في ترك الآخر.
والحاصل إنَّ دليل الأصل بعد فرض استحالة شموله للطرفين مطلقاً واستحالة شموله لهما مقيداً بترك الآخر يقتضي الترخيص في الجامع لأنَّ ذلك يحقق الغرض الترخيصي الأهم، بل يتعين ذلك في مقابل الالتزام بالتساقط وعدم جريان الأصل فيهما أساساً، لأنَّ في ذلك تفويتاً للملاك والغرض، فيتعين أن يتعلق الترخيص بالجامع وهو ما ذكره المحقق العراقي قده أي الالتزام بالتخيير بين الطرفين وتطبيق الترخيص على أي منهما.
هذه هي أهم الأجوبة عن شبهة التخيير، وهناك أجوبة أخرى غير تامة أعرضنا عن ذكرها، وتبين مما تقدم عدم تمامية ما ذكرناه من الأجوبة أيضاً، وحينئذٍ لا بد من الالتزام بأحد أمور حتى لا نقع في محذور الترخيص في محذور المخالفة ولو احتمالاً، وهي:
الأول: الالتزام بالعلية حتى في مرحلة الموافقة القطعية، وفاقاً للمحقق العراقي قده.
الثاني: الالتزام بالاقتضاء مع الالتزام بعدم جريان الأصل في بعض الأطراف لوجود محذور إثباتي يمنع من ذلك.
الثالث: الالتزام بالاقتضاء - وفاقاً للمحقق النائيني - مع الالتزام بعدم المانع ثبوتاً وإثباتاً في جريان الأصل في بعض أطراف العلم الإجمالي، والجواب عن شبهة التخيير بالتمسك ببعض الأخبار الواردة في موارد العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة الدالة على عدم جواز المخالفة الاحتمالية، أي الدالة على وجوب الموافقة القطعية، مثل ما دلَّ على لزوم الاجتناب عن الغنم التي يُعلم بكون بعضها موطوءاً، وما دلَّ على الأمر بإهراق الإناءين الذين يُعلم بنجاسة أحدهما، فإذا ألغينا الخصوصية في هذين المثالين وتعدينا الى سائر موارد العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة أمكن استفادة قاعدة كلية وهي عدم جريان الأصول المرخصة في شيء من أطراف العلم الإجمالي، وهذا يكون مانعاً من الالتزام بالتخيير في المقام، وهو يعني وجوب الموافقة القطعية.