45/08/22
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث
تتمة الجواب الرابع للسيد الشهيد قده:
تقدم أنَّ الحكم مطلقاً له مدلولان إنشائي وهو نفس الحكم وحكائي وهو الحكاية عن وجود مبادئ الحكم.
وتقدم أيضاً إنَّ الحكم التخييري تارة يكون واقعياً وأخرى يكون ظاهرياً، والتخيير الواقعي كالتخيير بين خصال الكفارة والتخيير في مورد الاضطرار الى أحد الطرفين لا بعينه، وهذا تارة يكون مدلوله الإنشائي هو عبارة عن الإلزام بالجامع، وأخرى عبارة عن الإلزام بالأطراف لكن بنحو مشروط، أي بشرط عدم الاتيان بالباقي.
وكذا مدلوله الحكائي فتارة يكون قائماً بالجامع، وأخرى يكون قائماً بالأطراف ولكن بنحو مشروط، ويظهر الفرق في وحدة الحكم وتعدده فهو على الأول واحد وعلى الثاني متعدد، هذا في التخيير الواقعي.
وأما إذا كان التخيير ظاهرياً فبحسب المدلول الإنشائي وإن كان يُعقل التخيير بمعنى تعليق الحكم بالجامع كما يُعقل ذكر حكمين مشروطين، ولكن بحسب مدلوله الحكائي لا يُعقل فرضه إلا بنحو تعليق الحكم بالجامع، أي لا يمكن أن يكون قائماً في الأطراف على نحو مشروط.
فإن تم ذلك فلا يكون ما ذكره المحقق العراقي قده تاماً لأنَّه يدعي هو وجود ترخيصين في الطرفين بنحو مشروط، وهذا ثابت حتى بلحاظ المدلول الحكائي، أي أنَّ الملاك ثابت في كل طرف بنحو مشروط، وهذا غير معقول بحسب ما ذكره السيد الشهيد قده وإنما الحكم بمدلوله الانشائي والحكائي متعلق بالجامع، قال ما حاصله[1] :
وأما التخيير في الحكم الظاهري فبحسب المدلول الانشائي وإن كان يُعقل التخيير بمعنى تعليق الحكم بالجامع كما يعقل ذكر حكمين مشروطين، لكن بحسب المدلول الحكائي لا يُعقل سوى التخيير بمعنى تعليق الحكم بالجامع، وذلك لما تقدم في حقيقة الحكم الظاهري من أنه لا ينشأ من ملاك في نفس جعل الحكم حتى يقال قد يكون الملاك والمصلحة في جعل الحكم الظاهري بنحو مشروط، وإنما هو ناشئ من ترجيح الملاكات الواقعية بعضها على بعض في مقام الحفظ، فإن قَدَّم الملاك الإلزامي على الترخيصي حتى بلحاظ الموافقة القطعية ألزم بالاحتياط التام، وإن قَدَّم الملاك الترخيصي على الملاك الإلزاميّ حتى بلحاظ المخالفة القطعيّة رخَّص حتى في المخالفة القطعيّة، وإن قَدَّم الغرض والملاك الالزامي على الترخيصي في مرتبة المخالفة القطعية وقَدَّم الترخيصي على الإلزامي في مرتبة الموافقة القطعية رخَّص في أحدهما المخيَّر إن لم يكن مرجح لأحدهما المعين وإلا رخَّص فيه، وأما الترخيص في كل واحد من الطرفين بشرط ترك الآخر فغير معقول، لأنَّ إتيان العبد بكلا الطرفين أو تركه لهما أو إتيانه لأحدهما أو تركه كذلك ليس له دخل في ملاك هذا اللون من الحكم الذي يُعبِّر عن درجة اهتمام المولى بالغرض الواقعي في مقام التزاحم الحفظي.
وإذا عرفتَ ذلك فنقول:
إنَّ المولى لو جعل الترخيص التخييري الظاهري في مورد العلم الإجمالي كما إذا قال: (رخصتك في كل واحد من الطرفين إذا تركت الطرف الآخر) فلا مانع من حمله على الترخيص التخييري، وأما إذا لم يكن في البين إلا مطلقات الترخيص مما يكون ظاهراً في أنَّ مصب الترخيص هو كل واحد من الطرفين تعييناً فتقييد كل من الترخيصين بترك الآخر وإن كان لا بأس به بلحاظ المدلول الإنشائي إذا ليس فيه سوى مؤنة التقييد ولكنه بلحاظ المدلول الحكائي أي الملاك والمبادئ يستلزم تحويل الترخيص في كل طرف بعينه الى ترخيص في الجامع لما عرفت من أنَّ الحكم الظاهري لا يُعقل فيه بحسب مدلوله الحكائي سوى التخيير بمعنى إرادة الجامع، وهذا فيه مؤنة زائدة لا يمكن استفادتها من مجرد إطلاق أدلة الترخيص العامة.
والحاصل: بحسب مقام الثبوت وبحسب المدلول الحكائي لا يُعقل في الأحكام الظاهرية التخييرية إلا تعليق الحكم بالجامع، لأنَّ تعليق الحكم بكل واحد من الطرفين مشروطاً بترك الآخر يستلزم أن يكون ترك العبد للفعل دخيلاً في الحكم وملاكه وهو لا معنى بناءً على ما تقدم.