45/08/21
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث
الجواب الثاني: وهو للسيد الخوئي قده وحاصله:
إنَّ دليل الأصل له إطلاق أفرادي وإطلاق أحوالي، والأول بمعنى شموله لكل فرد يُشك في حكمه، والثاني بمعنى شموله لجميع أحوال الفرد الواحد، ومن تلك الأحوال حالة فعل الطرف الآخر وحالة تركه، فدليل الأصل شامل لهذا الطرف مطلقاً أي سواءً فعل الطرف الآخر أم تركه، ومحذور الترخيص في المخالفة القطعية كما يندفع برفع اليد عن الاطلاقين الأحواليين - كما ذكر المحقق العراقي - كذلك يندفع برفع اليد عن الإطلاق الأفرادي والأحوالي في أحد الطرفين خاصة، فأي مرجح لأحدهما على الآخر؟
وبعبارة أخرى الفرق بين الطريقين هو أنَّ طريق المحقق العراقي يعني الالتزام بشمول دليل الأصل للطرفين بمقتضى الإطلاق الأفرادي مع رفع اليد عن الاطلاق الأحوالي لكل منهما، وأما طريق السيد الخوئي فيعني رفع اليد عن الإطلاق الأفرادي في أحد الطرفين.
ويمكن الخدشة فيه بأنَّ رفع اليد عن إطلاق الدليل لا يجوز إلا بمقدار ما تقتضيه الضرورة، ومن الواضح عدم وجود محذور في الأطلاق الأفرادي في أحد الطرفين لأنه لا يعارضه الاطلاق الأفرادي في الطرف الآخر، بل ولا الاطلاق الأحوالي فيه، إذ يكفي في ارتفاع المحذور رفع اليد عن الإطلاق الأحوالي في أحد الطرفين مع بقاء الإطلاقات الثلاثة الأخرى على حالها، وإنما المعارضة تقع بين الإطلاقين الأحواليين لعدم إمكان جريانهما معاً فلا بد من رفع اليد عن أحدهما وحيث لا يوجد مرجح يتساقطان، وأما الإطلاق الأفرادي فلا موجوب لسقوطه لعدم وجود ما يعارضه.
الجواب الثالث للسيد الخوئي أيضاً، وحاصله:
إذا علمنا بحرمة أحد الإناءين وحلية الآخر واقعاً فلا اشكال في أنَّ الحرمة الواقعية ليست مقيدة بترك المباح كما أنَّ الحلية الواقعية ليست مقيدة بترك الحرام الواقعي، فما نعلمه هو حرمة واقعية مطلقة وحلية واقعية مطلقة، والالتزام بوجود ترخيصين ظاهريين مشروطين في الطرفين يعني الالتزام بوجود حكم ظاهري نقطع بعدم مطابقته للواقع، والحال أنَّ جعل الحكم الظاهري مشروط باحتمال مطابقته للواقع، والاباحة الثابتة في كل واحد من الطرفين لما كانت مشروطة فهي مخالفة للحكم الواقعي قطعاً، فلا يمكن الالتزام بترخيصين مشروطين في الطرفين.
ويلاحظ عليه بما تقدم في بحث دوران الأمر بين المحذورين من أنَّ جعل الاباحة الظاهرية لا يتوقف على كون الإباحة محتملة واقعاً وإنما يتوقف على الشك في الحكم الواقعي، وذلك بناءً على أنَّ الأحكام الظاهرية تُعبر عن أهمية بعض الأغراض الواقعية بالنسبة الى البعض الآخر، وعند حصول التزاحم الحفظي فيما بين الأغراض الواقعية في مقام الحفظ التشريعي يكون المكلف في حال الشك والتردد في الحكم الواقعي فيجعل الشارع حكماً ظاهرياً يحفظ به ما هو الأهم بنظره من الأغراض التشريعية المتزاحمة، فبجعل الاحتياط يحفظ الغرض اللزومي وبجعل البراءة يحفظ الغرض الترخيصي، فيتوصل المكلف بذلك الى تحصيل الغرض الأهم، وهذا إنما يتصور في فرض شك المكلف في الحكم الواقعي، ولا يتوقف الحكم الظاهري المجعول على أن يكون محتمل المطابقة للواقع، وليس لذلك أثر لا في حصول التزاحم ولا في تقديم بعض الأغراض على البعض الآخر ولا في جعل الحكم الظاهري على أساس الأهمية.
الجواب الرابع للسيد الشهيد قده:
إنَّ الحكم مطلقاً له مدلولان المدلول الإنشائي والمدلول الحكائي، والمراد من الأول هو ما تدل عليه الجملة الإنشائية كالإلزام والترخيص، والمراد من الثاني هو الحكاية عن ثبوت مبادئ الحكم في المتعلق كالمصالح والمفاسد والمبغوضية والمحبوبية ومصلحة التسهيل، فالحكم كما يدل على الوجوب يدل على وجود مصلحة في المتعلق، وكما يدل على التحريم يدل على وجود مفسدة في المتعلق، هذا أولاً.
وثانياً إنَّ الحكم بالتخيير يمكن تصوره على نحوين: التخيير الواقعي والتخيير الظاهري، والأول من قبيل التخيير بين خصال الكفارة، أو من قبيل التخيير بين إناءين يعلم نجاسة أحدهما مع الاضطرار الى أحدهما غير المعين، ثم التخيير الواقعي تارة يكون مدلوله الانشائي هو الإلزام أو الترخيص بالجامع، وأخرى يكون هو الإلزام بكل واحد من الأطراف مشروطاً بعدم الإتيان بالأطراف الأخرى، كما أنَّ مدلوله الحكائي تارة يكون عبارة عن وجود الملاك في الجامع وأخرى يكون عبارة عن وجوده في كل من الطرفين مشروطاً بعدم الإتيان بالآخر، والفرق بينهما يظهر في وحدة الحكم وتعدده ووحدة الملاك وتعدده، هذا كله في التخيير الواقعي.