45/08/20
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث
كان الكلام في الإشكال الذي أورده المحقق العراقي على القائلين بالاقتضاء في محل الكلام وبالعلية التامة في المقام السابق وحاصله:
إنَّ الالتزام بالاقتضاء وإن كان يقتضي التعارض بين الأصول وتساقطها، ولا يمكن جريانهما معاً لأنه ترخيص في المخالفة القطعية، وهو يعني إنَّ دليل الاصل المؤمن لا يشمل أطراف العلم الإجمالي، ولازمه اختصاص الدليل بالشك البدوي، فيبقى احتمال التكليف في كل طرف بلا مؤمن فيتنجز ويجب الاحتياط فتجب الموافقة القطعية، لكنه لا ينتج هذه النتيجة لأنه في الحقيقة فرار عن محذور عقلي وهو الترخيص في المخالفة القطعية، بينما يمكن دفعه بوجه آخر من دون الالتزام بعدم شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي وذلك بتقييده بعدم ارتكاب الطرف الآخر، فالذي يسقط عن شمول أطراف العلم الإجمالي هو إطلاق دليل الأصل مع بقائه شاملاً لأطراف العلم الإجمالي لكن بنحو مشروط، وهذا ينتج وجود ترخيصين مشروطين في الطرفين، ولا يؤدي الى الترخيص في المخالفة القطعية، فإذا ثبت ذلك فهو يؤدي الى التخيير بين الطرفين، وهو يعني عدم وجوب الموافقة القطعية.
وهناك عدة أجوبة عن هذا الإشكال نذكر المهم منها:
الجواب الأول: ما يُستفاد من كلمات المحقق النائيني من أنَّ التخيير في باب تعارض الأصول وإن كان ممكناً إلا أنه لا دليل عليه، لأنَّ دليل الأصل إنما يقتضي جريان الأصل في كل طرف بعينه وليس مفاده التخيير في إجراء أحد الأصلين المتعارضين، ومجرد عدم إمكان الجمع في إجراء الأصلين في الطرفين لا يوجب الحكم بالتخيير لأنَّ التخيير كسائر الأحكام لا بد من دليل يدل عليه بالخصوص.
وفيه: إنَّ هذا الجواب بهذا المقدار يمكن دفعه بإبراز دليل على التخيير، وهو نفس ما ذكره المحقق العراقي من أنَّ دليل الأصل يقتضي ثبوت الترخيص في كل واحد من الطرفين لانحفاظ موضوعه وهو الشك، ومقتضى إطلاقه هو ثبوت الترخيص في كل طرف مطلقاً، وحيث أنَّ الاطلاق في كل من الطرفين لا يمكن الأخذ به لاستلزامه الترخيص في المخالفة القطعية فلا بد من رفع اليد عنه، فنلتزم حينئذٍ بشمول دليل الأصل لكل من الطرفين مقيداً بعدم شموله للطرف الآخر، ويكون هذا هو الدليل على التخيير.
لكن المحقق النائيني أجاب عن ذلك كما في أجود التقريرات بأنَّ جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي مخالفة عملية قطعية فلا يمكن جعل الأصول في أطراف العلم الإجمالي، وإذا استحال ذلك فلا تصل النوبة الى الحديث عن إطلاق الأصل في كل من الطرفين وتقييده.
وبعبارة أخرى إنَّ المحذور العقلي يجعل جريان الأصل في الطرفين محالاً ثبوتاً ومعه لا معنى للكلام عن إطلاق دليل الأصل في الطرفين وعدم إطلاقه.
الجواب الثاني: ومع التنزل عن الجواب السابق نقول - والكلام للمحقق النائيني -:
إنَّ إطلاق الدليل محال لاستلزامه الترخيص في المخالفة القطعية وإذا استحال الإطلاق استحال التقييد لأنَّ التقابل بينهما هو تقابل الملكة والعدم واستحالة أحدهما تستوجب استحالة الآخر.
وعليه لا يمكن الالتزام بالتقييد إما لاستحالة جعل الأصل في كل من الطرفين، وإما لأنَّ الإطلاق محال فيكون التقييد مثله.
وأجاب السيد الخوئي عن جوابه الثاني بوجوه منها:
الأول: إنكار أصل المبنى وأنَّ الصحيح في التقابل بينهما هو تقابل الضدين، والضدان اللذان لا ثالث لهما إذا استحال أحدهما كان الآخر ضرورياً.
وهذا الجواب بحسب مبناه والصحيح بنظرنا هو أنَّ التقابل بينهما هو تقابل التناقض.
الثاني: أنَّ المقصود من قولهم في تقابل الملكة والعدم (إذا استحال أحدهما استحال الآخر) هو إذا استحالت الملكة استحال عدمها، والملكة هي التقييد وعدمهما الاطلاق لا العكس كما ذكره.
ويلاحظ على الجواب الأول بأنَّ المحذور العقلي إنما هو في جعل الترخيص في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً فيكون محالاً، وأما أصل الترخيص في كل واحد من الطرفين فلا يلزم منه هذا المحذور إذا رفعنا اليد عن إطلاقه، وعليه فلا محذور في شمول دليل الأصل لكل من الطرفين على نحو مقيد، فلماذا يقال لا تصل النوبة الى الكلام عن إطلاق الأصل وتقييده؟