45/08/17
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث
كان الكلام في أنه هل يكفي في جعل البدل مجرد جريان الأصل المؤمن في أحد الطرفين فيكون الآخر بدلاً عن الواقع أم لا؟
قلنا أنَّ الظاهر من كلام المحقق العراقي هو إنَّ استفادة جعل البدل من جريان الأصل في أحد الطرفين إن إدُعي أنَّ الأصل بنفسه يدل على جعل الآخر بدلاً فهو ممنوع لأنَّ مدلوله المطابقي هو التأمين ونفي العقاب لا جعل البدل، وإن كان المقصود هو أنَّ له دلالة إلتزامية على جعل الطرف الآخر بدلاً فهو من التمسك بالأصل المثبت.
وأما إذا إدُعي أنَّ دليل الأصل يدل على ذلك فهو يعني أنَّ دلالة دليل الأصل على جعل البدل تقع في طول دلالته على جعل الأصل، فتكون دلالته على جعل البدل موقوفة على دلالته على جعل الأصل في هذا الطرف، والحال أنَّ دلالته على ثبوت الأصل في أحد الطرفين موقوفة على جعل الطرف الآخر بدلاً، أي أنَّ استكشاف جعل الآخر بدلاً من دليل الأصل دوري فلا يمكن الالتزام به.
ومن هنا يظهر أنَّ الصحيح هو ما ذكره المحقق العراقي من أنَّ استكشاف جعل البدل لا يكفي فيه مجرد جريان الأصل في أحد الطرفين.
ثم إنَّ المحقق العراقي أورد نقضين على القول بالاقتضاء وعدم العلية التامة لوجوب الموافقة القطعية، بمعنى أنه لا يستحيل جعل الترخيص في بعض الأطراف، نعم نحن نمنع من جريان الأصل في أحد الطرفين للتعارض بين جريان الأصل في كل منهما لا للاستحالة، والنتيجة هي أنَّ دليل الأصل لم يعد قابلاً للشمول لأطراف العلم الإجمالي، وهو يعني إختصاص دليل الأصل بالشبهات البدوية.
ونحن نذكر المهم من النقضين، وحاصله:
إنَّ القائلين بالاقتضاء هنا – في وجوب الموافقة القطعية – وبالعلية في مرحلة المخالفة القطعية يرون أنَّ جريان الأصل في أحد الطرفين لا مانع منه لكنه معارض بجريان الأصل في الطرف الآخر ولا يمكن جريانه فيهما معاً لأنَّ ذلك يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية وهو محال، ولذلك لا يجري الأصل في الطرفين، أي أنَّ دليل الأصل لا يشمل أطراف العلم الإجمالي ويختص بموارد الشك البدوي.
وأشكل المحقق العراقي عليه بأنَّ الفرار من محذور الترخيص في المخالفة القطعية لا يتوقف على ما ذُكر من منع شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي وتخصيصه بموارد الشك البدوي، وذلك لأنه يمكن الفرار عن هذا المحذور برفع اليد عن إطلاق دليل الأصل في كل من الطرفين لحالة ارتكاب الآخر مع بقائه شاملاً لكل منهما لكن مقيداً بعدم ارتكاب الآخر، فهو يشمل هذا الطرف ويدل على الترخيص فيه بشرط عدم ارتكاب الآخر وهكذا الطرف الآخر، ومن الواضح إنَّ هذا لا يؤدي الى الترخيص في المخالفة القطعية، وعليه فدفع هذا المحذور يحصل بكلا الأمرين من رفع اليد عن شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي ورفع اليد عن إطلاق دليل الأصل لحالة ارتكاب الآخر، أي يدور الأمر بين تخصيص دليل الأصل ومنع شموله لأطراف العلم الإجمالي وبين رفع اليد عن إطلاقه، ومن الواضح أنَّ الثاني هو المتعين لأنّ الإطلاق متيقن السقوط على كلا التقديرين بخلاف أصل الشمول فإنه لا يسقط على تقدير سقوط الاطلاق، فلا بد من الاقتصار على رفع اليد عن إطلاق دليل الأصل لأنَّ المحذور يندفع به كما هو المفروض، والضرورات تقدر بقدرها، فلا موجب لمنع شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي، أو قل لا داعي لتخصيص الدليل حيث لا ضرورة تدعو إليه.
وعليه فيثبت ترخيصان في الطرفين مشروطان بترك الآخر، ونتيجة ذلك التخيير في جريان الأصل بين الطرفين فلا تجب الموافقة القطعية.
والحاصل إنَّ التعارض بين الأصول هل يقتضي تساقطها في جميع الأطراف فتجب الموافقة القطعية كما قالوا أو أنه يقتضي التخيير بينهما فلا تجب الموافقة القطعية؟
المحقق النائيني يرى الأول - وتبعه السيد الخوئي - لما ذكره من أنَّ جريان الأصل في كل من الطرفين يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، وجريانه في أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، وجريانه في أحدهما لا بعينه وبنحو التخيير غير تام لأنَّ مفاد الدليل هو جريان الأصل في كل طرف بعينه لا التخيير بينهما.
وأما المحقق العراقي فيرى الثاني ويستدل عليه بما تقدم من أنَّ المحذور يندفع برفع اليد عن إطلاق دليل الأصل كما تقدم سابقاً.
التعليق:
لا يخفى أنَّ هذا النقض إنما يرد على من يقول بالاقتضاء في محل الكلام ويلتزم بعدم جريان الأصل في بعض الأطراف للمعارضة، وأما إذا قلنا بالاقتضاء وعدم جريان الأصل في بعض الأطراف لمحذور إثباتي لا للمعارضة فلا يرد هذا النقض، وهذا المحذور هو قصور الدليل عن الشمول لبعض الأطراف من قبيل ما تقدم من دعوى أنَّ مفاد دليل الأصل هو الحكم الحيثي كإثبات الأصل الحلية من حيث كون الشيء مشكوك الحرمة لا من جميع الجهات، فلا يُثبت الحلية للمشكوك حتى من جهة كونه طرفاً للعلم الإجمالي بتكليف إلزامي، فهذه الدعوى لو تمت فهي تمنع من جريان الأصل في بعض الأطراف بقطع النظر عن المعارضة.
وعليه فلا يرد النقض المذكور لأن هذا الوجه يمنع من جريان الأصل في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض.