الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث

 

الجهة الثانية في إمكان إجراء الأصول المؤمنة في بعض أطراف العلم الإجمالي

بمعنى هل يمنع العلم الإجمالي من جريان الأصول المؤمنة في بعض الأطراف بعد الفراغ عن الاقتضاء؟

وبعبارة أخرى الكلام يقع في أنَّ الاقتضاء الثابت في الجهة الأولى هل هو بنحو العلية التامة بحيث يمنع من جريان الأصول في بعض الأطراف أو أنه بنحو الاقتضاء والتعليق فلا يمنع من جريان الأصول المؤمنة في بعض الأطراف؟

اختلف القائلون بالاقتضاء في هذه المرحلة فذهب جماعة الى عدم العلية التامة وأنه على نحو الاقتضاء فقط منهم المحقق النائيني قده في بعض كلماته والسيد الخوئي قده، وذهب آخرون إلى العلية التامة ومنهم المحقق العراقي قده ، ونُسب الى غيره أيضاً.

والكلام في المقام إنما يقع بعد الفراغ عن اقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية وأما إذا لم يقتضِ ذلك فلا معنى للكلام عن الجهة الثانية، أي أنَّ المحقق النائيني يقول على تقدير الاقتضاء نحن ننكر أن يكون ذلك على نحو العلية التامة.

ثم ذكر ثمرة لهذا النزاع فقال إنَّ العلم الاجمالي ليس له اقتضاء لثبوت وجوب الموافقة القطعية أيضاً إلا بمعنى كونه من أجزاء علة وجوب الموافقة القطعية، ثم يقول والخطب فيه سهل بعدما عرفتَ من أنَّ القول به مترتب على سقوط الأصول في الأطراف بعد البناء على حرمة المخالفة القطعية.

ثم قال: ومن هنا يتضح أنه لو كان في بعض الأطراف أصل أو أمارة بلا معارض لأوجب ذلك انحلال العلم الإجمالي أو عدم تأثيره من أول الأمر فإنَّ تنجيز العلم الإجمالي وعدم انحلاله يتوقف على تحقق العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وأما إذا لم يكن هناك علم بالتكليف كذلك فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً، ويمثل له بخروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء إذ لا يجري فيه الأصل المؤمن فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، فجريان الأصل في أحد الطرفين يوجب انحلال العلم الإجمالي إما حقيقة أو حكماً، لأن تنجيز العلم الإجمالي وعدم انحلاله يتوقف على تحقق العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وأما إذا لم يكن هناك علم بالتكليف على كل تقدير كما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محل الإبتلاء أو كان في بعض الأطراف بخصوصه منجز للتكليف دون الطرف الآخر فينحل العلم الإجمالي ولا يكون منجِّزاً.

وهذا الكلام ينفعنا في أمرين:

الأول: أنه قد يُفسر لنا ما قيل من وجود الاختلاف في كلماته، حيث يظهر من بعضها أنه يقول بالاقتضاء، ويظهر من بعض آخر أنه يقول بالعلية، فلعل كلامه الظاهر في القول بالاقتضاء يمكن تفسيره بكون العلم الإجمالي من أجزاء علة وجوب الموافقة القطعية وذلك باعتبار أنَّ وجوب الموافقة القطعية إنما يثبت باعتبار وجود علم إجمالي تحرم مخالفته القطعية وهذا يستلزم تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها وبقاء احتمال التكليف في كل طرف بلا مؤمن فتجب الموافقة القطعية، وهذا معناه أنه يقول بعدم الاقتضاء، أي أنه لولا التعارض وما يترتب عليه لما كان العلم الإجمالي مقتضياً لوجوب الموافقة القطعية.

الثاني: أنَّ الثمرة التي أشار إليها في كلامه هل هي ثمرة للبحث في الجهة الأولى - أي أصل الاقتضاء - أم هي ثمرة للبحث في الجهة الثانية - أي أنَّ الاقتضاء على نحو العلية التامة أو لا -؟

ففي مثال خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء تظهر الثمرة في جريان الأصل النافي للتكليف في الطرف الداخل في محل الإبتلاء لأنه على القول بالعلية التامة لا يجري هذا الأصل ويجري على القول الآخر لأنَّ الاقتضاء لا يمنع من جريان الأصل في بعض الأطراف إذا تمت شرائط جريانه، ومنها عدم المعارض.

وأما النزاع في الجهة الأولى أي عن أصل الاقتضاء فلا تظهر هذه الثمرة فيه لأنَّ الأصل يجري في الطرف الداخل في محل الابتلاء سواء قلنا بالاقتضاء أو قلنا بعدمه، أما على الثاني فواضح وأما على الأول فلما عرفتَ من أنَّ القول بالاقتضاء لا يمنع من جريان الأصل في ذلك الطرف إذا تمت شرائط جريانه فيه وعليه فلا ثمرة في البحث الأول

ويفهم من ذلك أنَّ المحقق النائيني قده كأنه يرى الاقتضاء وأنه يترتب على القول بالاقتضاء جريان الأصل في هذا الطرف بخلافه على القول بالعلية التامة.

وعلى كل حال هذه إحدى ثمرات النزاع في العلية الاقتضاء، نعم لم يذكر المحقق النائيني دليلاً على الاقتضاء في مقابل العلية التامة سوى ما ذكره هنا وفي مباحث القطع، حيث ذكر أنَّ دعوى الملازمة بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية وأنَّ العلم الإجمالي إما أن يكون علة تامة بالنسبة الى كلتا المرحلتين وإما أن لا يكون كذلك بالنسبة اليهما هذه الدعوى لا شاهد لها.

وذكر أنَّ الترخيص في الجميع يضاد التكليف المعلوم بالإجمال بخلاف الترخيص في بعض الأطراف فإنَّ مرجعه الى الاكتفاء عن الواقع بترك الطرف الآخر في الشبهة التحريمية أو فعله في الشبهة الوجوبية.