45/07/30
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الثالث
الوجه الثالث: ما عن المحقق العراقي قده وحاصله إنَّ الترخيص الظاهري في تمام الأطراف يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال، وكذا يناقض حكم العقل بالاشتغال ولزوم الامتثال والموافقة إذا كان تنجيزياً وإلا فلا مناقضة بين الترخيص الظاهري في تمام الأطراف وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، كما لا مناقضة بين الترخيص الظاهري في تمام الأطراف وبين الحكم العقلي بالاشتغال.
أما الأول فلأنه إذا فرض كون حكم العقل بالاشتغال ولزوم الامتثال معلقاً على عدم ورود الترخيص في المخالفة فمع وروده لا يكون التكليف فعلياً ولا تكون له داعوية ومحركية ومثله لا ينافيه الترخيص في المخالفة، لأنَّ المنافاة بين الترخيص في المخالفة وبين الحكم الواقعي إنما هي في مقام الداعوية والمحركية، وأما إذا لم يكن له ذلك فلا يكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً له، وهذا بخلاف ما إذا كان حكم العقل تنجيزياً فإنَّ الحكم الواقعي يكون تام الفعلية والداعوية والمحركية ومعه يكون مناقضاً ومنافياً مع الترخيص في تمام الأطراف.
وأما الثاني فلا مناقضة فيه أيضاً، وهو واضح لأنَّ الترخيص حينئذٍ يكون رافعاً لموضوع حكم العقل وليس منافياً له.
وعليه فالمناقضة والمنافاة تتوقف على كون حكم العقل حكماً تنجيزياً، ثم يقول:
ويمكن استكشاف كونه تنجيزياً من المناقضة الارتكازية بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال والتي يدركها الوجدان كما يُدرك المناقضة في موارد العلم التفصيلي، وهو يكشف إنَّـاً عن علية العلم الإجمالي ومنجزية حكم العقل بلزوم الامتثال على نحو يأبى الجعل الترخيصي في تمام الأطراف.
التعليق عليه:
وهذا الوجه يبتني أيضاً على كون حكم العقل بالمنجزية ولزوم الامتثال حكماً تنجيزياً.
ومن هنا يظهر أنَّ جميع الوجوه المذكورة لإثبات العلية التامة لحرمة المخالفة القطعية تبني على كون الحكم العقلي تنجيزياً، فلا بد من بحث هذه المسألة.
وجه آخر:
ذكر السيد الخوئي قده مانعاً آخر من جريان الأصول في تمام الأطراف واعتبره مانعاً ثبوتياً وهو مناقضة الحكم الظاهري الناظر الى الواقع مع العلم الإجمالي الوجداني بالتكليف الواقعي، وذكر أنَّ هذا الوجه يختص بما إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بالأمارة، ولكن لا يختص بما إذا كان المعلوم بالإجمال حكماً إلزامياً بل يشمل غيره أيضاً كما إذا علمنا بطهارة أحد إناءين معلومي النجاسة سابقاً، وذلك للمناقضة بين جريان الأمارة في هذا الطرف وجريانها في الطرف الآخر من جهة وبين العلم الإجمالي الوجداني المخالف لهما من جهة أخرى.
وهذا الوجه مأخوذ من المحقق النائيني قده لأنه بعد أن ذكر عدم وجود ما يمنع من جريان الأصول في تمام الأطراف لانحفاظ موضوعها في كل طرف لأنه مشكوك، وأصالة البراءة إنما تجري في كل واحد منهما بخصوصه، وليس مؤداها عدم وجوب أحدهما إجمالاً حتى تنافي العلم الإجمالي بوجوب أحدهما، بل مؤداها عدم وجوب هذا بخصوصه وعدم وجوب ذاك بخصوصه، وكل منهما بخصوصه لم يتعلق العلم بوجوبه، فلا مناقضة بين مؤدى الأصلين في الطرفين وبين المعلوم بالإجمال.
ثم استدرك على ما ذكره وقال: هذا في غير الأصول العملية التنزيلية كالاستصحاب، لكون المجعول فيها هو البناء العملي والأخذ بأحد طرفي الشك على أنه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر وجعل الشك كالعدم تعبداً، وهذا لا يمكن جعله في تمام الأطراف لأنَّ الاحراز التعبدي بعدم انتقاض الحالة السابقة لا يمكن أن يجتمع مع العلم الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحد الطرفين، وهذا ما يمنع من جريان الاستصحاب في كلا الطرفين.
ثم ذكر بأنَّ هذا لا يختص بما إذا لزم من جريان الأصول في تمام الأطراف مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالإجمال، حيث أنَّ استصحاب الطهارة في هذا الطرف واستصحابها في الطرف الآخر يقتضي جواز استعمالهما وهو مخالفة عملية قطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، بل يشمل ما إذا كان المعلوم بالإجمال ليس حكماً إلزامياً أصلاً كما إذا علم إجمالاً بطهارة أحد إناءين معلومي النجاسة سابقاً، لأنَّ العلم بطهارة أحدهما لا يقتضي تكليفاً حتى يقتضي استصحاب نجاسة كل منهما مخالفة عملية له، والوجه فيه هو عدم إمكان الحكم ببقاء الحالة السابقة في الطرفين مع العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحد الطرفيين.