الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الأول/ العلم الإجمالي

كان الكلام فيما ذهب إليه الشيخ الأنصاري من أنَّ أدلة الأصول العملية الشرعية المؤمنة لا تشمل أطراف العلم الإجمالي سواء كان الأصل تنزيلياً أم لا، وكان دليله لزوم التهافت بين صدر الدليل وذيله.

ولا إشكال في أنَّ اليقين الوارد في ذيل رواية الاستصحاب لا بد من فرض تعلقه بنفس ما تعلق به اليقين السابق لوضوح أنه لو فرض تعلقه بغيره لما كان ناقضاً ورافعاً لليقين السابق، وانما السؤال هو هل يشترط في صدق النقض على اليقين المتأخر أن يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق بسائر تفاصيله وخصوصياته أو لا يشترط ذلك؟

فعلى الأول لا يتم ما ذكره الشيخ لعدم دخول موارد العلم الإجمالي في الذيل، إذ يكون مفاد الرواية: انقض اليقين السابق بيقين مثله، ولا يتحقق ذلك إلا في موارد العلم التفصيلي، وعلى الثاني يرد الاشكال إذ يشمل الذيل موارد العلم الإجمالي، فاليقين السابق بطهارة الثوب يرتفع باليقين الإجمالي اللاحق بالنجاسة أحد الثوبين، أي الأمر بالبناء على نجاسة أحدهما، بينما صدر الرواية يقول لا تنقض اليقين بالشك، ولا يجتمعان.

قلنا إنَّ الصحيح هو الثاني، أي أنَّ صدق النقض لا يتوقف على أن يتعلق اليقين الناقض بنفس ما يتعلق به اليقين المنقوض بتمام تفاصيله بل يكفي في صدقه أن يتعلق اليقين اللاحق بعنوان إجمالي مشير الى ما تعلق به اليقين السابق، أو قل إنَّ اليقين في الذيل كما يشمل اليقين التفصيلي كذلك يشمل اليقين الإجمالي، لأنَّ ملاك النقض هو المنافاة، باعتبار أنَّ الناقض يكون نافياً للمنقوض وحالاً له لعدم امكان اجتماعهما، فاليقين بنجاسة هذا الاناء باعتبار أنه لا يجتمع مع اليقين بطهارته يكون ناقضاً ورافعاً له، وهذا متحقق في موارد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الاناءين المعلومي الطهارة سابقاً، فإنَّ اليقين بنجاسة أحدهما لا يجتمع مع اليقين بطهارة كل واحد منهما فيكون ناقضاً لليقين السابق فيشمله الذيل ويلزم التهافت الذي ذكره الشيخ.

ويضاف الى ما تقدم أنَّ مقتضى إطلاق اليقين شموله لكل يقين ولو كان إجمالياً.

والحاصل: أنه مع صدق اليقين وصدق النقض فالظاهر شمول الذيل لموارد العلم الإجمالي فيحصل التهافت في دليل الاستصحاب.

فتلخص مما تقدم أنَّ الصدر يشمل الطرفين باعتبار أنَّ رفع اليد عن الحالة السابقة في هذا الطرف بالخصوص وفي ذاك الطرف بالخصوص هو نقض لليقين بالشك، إذ لا يوجد في هذا الطرف ولا في ذاك إلا الشك فحينئذٍ يحصل التهافت،

نعم هناك يقين بنجاسة أحد الطرفين، والتهافت المدعى مبني على عموم اليقين في الذيل لهذا اليقين الإجمالي، وقد عرفت أنَّ هذا هو الظاهر، ولا يوجد في قبال هذه الدعوى إلا دعوى أنَّ صدق النقض يتوقف على أن يتعلق اليقين الناقض بنفس ما يتعلق به اليقين المنقوض بتمام تفاصيله وتبين أنها غير تامة.

نعم قد يقال بأن عدم الشمول لأطراف العلم الإجمالي باعتبار التهافت مبني على افتراض أنَّ الذيل في مقام جعل حكم شرعي تأسيسي وهو عبارة عن وجوب رفع اليد عن الحالة السابقة إذا حصل اليقين الناقض، فيقال حينئذٍ بأن هذا الحكم لا يجتمع مع الحكم بحرمة رفع اليد عن الحالة السابقة للشك في كل من الطرفين.

وأما إذا فرضنا أنَّ الذيل ليس في مقام جعل حكم شرعي تأسيسي وإنما هو في مقام الارشاد الى ما يحكم به العقل من لزوم رفع اليد عن الحالة السابقة عند حصول اليقين الناقض فلا يتم ما ذكره الشيخ من الاشكال، إذ لا يصح التمسك بإطلاق الذيل لإثبات شموله لليقين الإجمالي ما لم نرجع الى العقل لنرى أنه هل يمنع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي لأنه يرى منجزيته لأطرافه أو لا يمنع، فعلى الأول حصل التهافت ومنعنا من شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي، وعلى الثاني فلا مانع من الشمول، إذن لا يمكن الالتزام بالتهافت وعدم الشمول من دون أن نبحث عن منجزية العلم الإجمالي ومانعيته من جريان الأصول في الأطراف.

ويمكن ترجيح الثاني بأنَّ نقض اليقين باليقين من الأمور المرتكزة في أذهان الناس مما يُقرِّب حمله على الإرشاد هذا، أولاً.

وثانياً إنَّ اليقين في الذيل يعم اليقين التفصيلي حتماً، ومن الواضح أنَّ الحكم الشرعي بكونه ناقضاً لا معنى له لأنَّ مرجع الناقضية الى الحجية، فكأنَّ الشارع حكم بحجة اليقين اللاحق، وقد ثبت في محله استحالة جعل الحجية لليقين لأنَّها بالنسبة إليه أمر ذاتي وغير قابل للجعل لا نفياً ولا اثباتاً، ولذا لا بد من حمل الذيل على الارشاد.