45/07/18
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الأول/ العلم الإجمالي
تقدم بيان رأي الشيخ الأعظم قده وهو عدم شمول أدلة الأصول المؤمنة لأطراف العلم الإجمالي، أي عدم جريان الأصول العملية مطلقاً – تنزيلية كانت أم بحتة - معللاً ذلك بلزوم التهافت بين صدر الدليل وبين ذيله.
وذكرنا أنه أُجيب عنه بوجهين تقدم الأول منهما، وحاصله:
إنَّ بعض روايات الاستصحاب لا تشتمل على هذا الذيل فيمكن التمسك بها فلا يلزم التهافت المذكور.
الوجه الثاني وهو المهم، إنَّ المراد باليقين في الذيل الذي جُعل ناقضاً لليقين السابق هو اليقين التفصيلي لأنَّ اليقين لا يكون ناقضاً إلا إذا تعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق، فإنَّ النقض يعني الرفع وهو فرع المنافاة ولا تصدق المنافاة إلا مع وحدة المتعلق، فلا يكون اليقين اللاحق ناقضاً لليقين السابق إلا إذا تعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق، وفي موارد العلم الإجمالي اليقين لا يتعلق إلا بنجاسة أحدهما في حين أنَّ اليقين التفصيلي السابق يتعلق بطهارة هذا الفرد وطهارة ذاك الفرد، ومن المعلوم أنَّ اليقين بنجاسة أحدهما لا ينقض اليقين بطهارة هذا الفرد بالخصوص ولا طهارة ذلك الفرد بالخصوص.
والحاصل: إنَّ العلم الإجمالي لا يصلح أن يكون ناقضاً لليقين السابق لاختلاف متعلقهما.
الرأي الثاني التفصيل بين الأصول العلمية التنزيلية وبين الأصول البحتة، وهو مختار المحقق النائيني قده واستدل له بما حاصله:
إنَّ الأصل التنزيلي كالاستصحاب مرجعه الى التعبد بإلغاء احتمال الخلاف والبناء على بقاء الحالة السابقة، أو قل مرجعه الى التعبد بإحراز الواقع، ومن الواضح منافاة التعبد بإحراز الحالة السابقة في كل من الطرفين مع العلم الإجمالي بارتفاعها في أحد الطرفين، فلا يمكن البناء على جريان دليل الاستصحاب في موارد العلم الإجمالي.
وأما الأصول العملية البحتة فليس فيها مثل هذا اللسان، أي لسان التعبد ببقاء الحالة السابقة حتى يكون منافياً للعلم الإجمالي بارتفاع الحالة السابقة في أحد الطرفين، فلا مانع من جريانها في أطراف العلم الإجمالي.
الرأي الثالث: وهو المنسوب الى المشهور، وهو أنَّ دليل الأصول العملية المؤمنة يشمل كلا الطرفين مطلقاً، أي سواءً كان تنزيلياً أم أصلاً محضاً، ودليله هو انحفاظ موضوعه في كل طرف وهو عدم البيان.
هذه هي الآراء الثلاثة في المسألة والاشارة الى أدلتها باختصار.
والتعليق:
أما ما ذهب اليه الشيخ الأعظم من عدم الشمول مطلقاً مستدلاً بلزوم التهافت بين صدر دليل الأصل وبين ذيله فالظاهر من اليقين المذكور في ذيل دليل الاستصحاب أنه اليقين الذي يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق، والدليل عليه كلمة (النقض) فإنه لا يصدق إذا اختلف المتعلق، وإنما يكون ناقضاً ورافعاً لليقين السابق إذا اتحد المتعلق مع منافاة اليقين اللاحق للسابق، كما إذا تعلق اليقين السابق بطهارة الثوب وتعلق اليقين اللاحق بنجاسته فيكونان متنافيين ولذا اُعتبر اليقين اللاحق ناقضاً لليقين السابق، لكن هل يلزم أن يتعلق اليقين الناقض بما تعلق به اليقين السابق بكل تفاصيله وجميع خصوصياته أو يكفي أن يتعلق بعنوان إجمالي مشير اليه؟
فعلى الأول لا يتم ما ذكره من اشكال التهافت لأنَّ العلم الإجمالي لا يتعلق بما تعلق به اليقين السابق بتمام تفاصيله وإنما يتعلق به بعنوان اجمالي مشير الى متعلق العلم السابق، وعليه لا يشمل الذيل موارد العلم الإجمالي.
وعلى الثاني يتم ما ذكره، لأنَّ المفروض أنَّ المراد من اليقين في الذيل هو الأعم من اليقين المتعلق بما تعلق به اليقين السابق بعنوان اجمالي وهذا متحقق في العلم الإجمالي باعتبار أنَّ اليقين بنجاسة أحد الاناءين يقين متعلق بواحد من الإناءين على نحو الاجمال، وعليه فالذيل يشمل موارد العلم الإجمالي فيحصل التهافت المذكور ويكون مانعاً من شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الإجمالي.
والظاهر أنَّ اختيار أحد هذين الرأيين يرتبط بملاحظة صدق النقض وهل يتوقف على أن يتعلق الناقض بنفس ما تعلق به اليقين المنقوض بتمام خصوصياته أو لا؟
الصحيح هو الثاني أي أنه لا يتوقف على ذلك لأنَّ ملاك النقض هو المنافاة، وذلك باعتبار أنَّ الناقض يكون رافعاً لليقين المنقوض وحالاً له لعدم امكان اجتماعهما، فاليقين بنجاسة هذا الاناء باعتبار أنه لا يجتمع مع اليقين بطهارته يكون ناقضاً ورافعاً له، وهذا الملاك متحقق في موارد العلم الإجمالي ولا يتوقف على افتراض تعلق اليقين الناقض بنفس ما تعلق به اليقين المنقوض بتمام تفاصيله.