45/07/11
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الأول/ العلم الإجمالي
منهجية البحث في منجزية العلم الاجمالي
المقام الأول في حقيقة العلم الإجمالي.
المقام الثاني في شمول أدلة الأصول الشرعية المؤمِّنة لأطراف العلم الإجمالي.
المقام الثالث في منجزية العلم الإجمالي بحيث يمنع من جريان الأصول في الأطراف بعد فرض الشمول، وهنا بحثان:
الأول: في منجزية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية، أي أنه هل يمكن الترخيص في تمام الأطراف أو لا، وعلى الأول يكون تأثيره في حرمة المخالفة القطعية بنحو الاقتضاء، وعلى الثاني يكون تأثيره فيها بنحو العلية التامة.
الثاني: في منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية، أي في أمكان الترخيص في بعض الأطراف، فعلى الامكان يكون تأثيره في وجوب الموافقة القطعية بنحو الاقتضاء، ويكون هذا مانعاً من وجوب الموافقة القطعية، وعلى القول بعدم إمكان الترخيص في بعض الأطراف فتأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية بنحو العلية التامة.
وهذه المنهجية هي الأصح وذلك باعتبار أنَّ البحث في المقام الأول يكون بمثابة المقدمة لما بعده من البحوث، فإنَّ الأبحاث التالية له ترتبط بتحديد معنى العلم الإجمالي وحقيقته كما سيأتي، أو لا أقل من احتمال التأثير فيها.
كما أنَّ البحث عن شمول أدلة الأصول الشرعية المؤمِّنة لأطراف العلم الإجمالي مقدم عن البحث في منجزية العلم الإجمالي سواءً عن حرمة المخالفة القطعية أم عن وجوب الموافقة القطعية، وذلك باعتبار أنَّ البحث عن المنجزية وعن مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأصول في الأطراف ولو في بعضها وعدم مانعيته من جريانها متأخر عن البحث على أصل الشمول، إذ لا بد من فرض الشمول حتى نبحث عن مانعية العلم الإجمالي عن ذلك، وإما إذا فرضنا أنَّ الأدلة في نفسها غير قابلة للشمول فلا معنى للبحث عن أنَّ العلم الإجمالي يمنع من الشمول أو لا يمنع منه، فالبحث عن المنجزية متفرع ومتأخر عن البحث عن أصل الشمول.
المقام الأول حقيقة العلم الإجمالي:
اختلفت أراء المحققين المتأخرين في تفسير حقيقة العلم الإجمالي، والعمدة منهما ثلاثة آراء:
الأول ما يظهر من المحقق الخراساني قده من أنَّ العلم الإجمالي يتعلق بالفرد المردد، حيث ذكر في بحث الواجب التخييري أنَّ أحد الأقوال فيه هو كون الواجب هو الواحد المردد[1] ، وفي حاشية له على هذا الكلام ذكر بأنَّ هذا القول لا يرد عليه الاشكال من جهة أنه كيف يتعلق وصف – أي الوجوب - بالواحد المردد الذي لا تعيُّن له، لأنه قد يتعلق به الوصف الحقيقي ذو الإضافة كالعلم فضلاً عن الوصف الاعتباري كالوجوب[2] .
والظاهر أنَّ مراده هو أنَّ متعلق العلم الإجمالي هو فرد خارجي لا يقبل الانطباق على كثيرين مع تردده بين فردين أو أفراد، كما إذا رأى شخصاً معيناً من بعيد واشتبه بين شخصين فإنَّ الرؤية تعلقت بالوجود الخارجي الشخصي مع كونه مردداً بين شخصين.
الرأي الثاني ما اختاره المحقق الأصفهاني قده من أنَّ العلم الإجمالي يتعلق بالجامع[3] بخلاف العلم التفصيلي فإنه يتعلق بالفرد بخصوصياته فيكون الفرق بينهما من ناحية المعلوم وأما من ناحية العلم فلا فرق بينهما أصلاً لأنَّ الانكشاف فيهما واحد، غاية الأمر أنَّ المنكشف في العلم التفصيلي هو الفرد وفي العلم الإجمالي هو الجامع.
الرأي الثالث للمحقق العراقي قده وهو أنَّ العلم الإجمالي يتعلق بالواقع أي بالفرد، كما هو الحال في العلم التفصيلي فلا فرق بينهما من ناحية المعلوم والمنكشف فإنه الواقع فيهما وإنما يفترقان من ناحية العلم والانكشاف نفسه فإنه قد يكون تاماً وتفصيلاً وقد يكون اجمالياً وغير واضح، فإنَّ الفرد أو الواقع قد ينكشف بصورة واضحة كما في العلم التفصيلي وقد ينكشف بصورة غامضة مشوشة وهو العلم الإجمالي[4] .
والسؤال: هل لهذا الاختلاف في تفسير حقيقة العلم الإجمالي تأثير في البحوث الآتية أو لا؟
أما البحث في المقام الثاني فالظاهر أنه لا ربط له بحقيقة العلم الإجمالي وذلك باعتبار أنَّ البحث فيه عن شمول أدلة الأصول الشرعية المؤمّنة لأطراف العلم الإجمالي، فهو بحث اثباتي في أدلة الأصول المؤمنة، وهو وارد على كل تقدير في حقيقة العلم الإجمالي.
وأما البحث في المقام الثالث - عن المنجزية – وتقدم أنَّ فيه مسألتان الأولى في منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وهنا يمكن أن يقال إنه لا ينبغي الاشكال فيها على أي تفسير في حقيقة العلم الإجمالي وذلك لأنَّ الجامع على جميع الآراء مما تم عليه البيان، أما على الرأي الثاني فواضح إذ فرض تعلق العلم الإجمالي بالجامع فتم عليه البيان، وهو يعني دخوله في عهدة المكلف وهو يقتضي حرمة مخالفته القطعية.
وأما على القولين الآخرين فيقال إنَّ منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية مما لا ينبغي الشك فيها وذلك باعتبار أنَّ كلاَ منهما يفترض تمامية البيان على الجامع وعلى ما هو أزيد منه مما هو مرتبط بخصوصيات الفرد المردد والواقع.
ومن هنا يظهر أنَّ الجامع على جميع الآراء مما تم عليه البيان، وهو يعني دخوله في العهدة، فيجب امتثاله وتحرم مخالفته القطعية، وعليه يكون يمكن أنَّ القول أنَّ البحث في المقام الأول بفرعه الأول – أي منجزية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية - لا يتأثر بالبحث عن حقيقة العلم الإجمالي.
والمهم هو البحث في المسألة الثانية أي منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، حيث يدعى ارتباطها بالبحث عن حقيقة العلم الإجمالي، ولكن الظاهر أنه يمكن تجاوز ذلك، وتوضيحه:
أنَّ الذي يتنجز بالعلم الإجمالي على الآراء الثلاثة هو الجامع فقط، فإن تم ذلك فهو يعني أنَّ ما يدخل في العهدة هو الجامع وهو لا يمنع من ترك أحد الطرفين لأنه يكفي في امتثاله الاتيان بأحدهما لأنهما مصداقان له ولا يُلزم المكلف بالإتيان بجمع مصاديقه وأفراده.
فالمدعى أنَّ العلم الإجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية على كل الأقوال ولا ينجّز وجوب الموافقة القطعية على جميع الأقوال أيضاً.