45/07/09
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / المقام الأول دوران الأمر بين المتباينين
أصالة الاحتياط
والبحث فيها يقع في مسألتين رئيسيتين وهما:
1. دوران الأمر بين المتباينين.
2. دوران الأمر بين الأقل والأكثر.
فإذا فرضنا العلم بالتكليف والتردد المكلف به بين شيئين فهذا هو مورد أصالة الاشتغال، وهذا التردد تارة يفترض بين متباينين كما إذا تردد الواجب بين الظهر والجمعة، أو تردد الحرام بين إناءين، وهو الدوران بين المتباينين.
وأخرى يفترض التردد بين الأقل والأكثر كالشك في وجوب السورة، فالواجب وهو الصلاة المرددة بين تسعة أجزاء أو عشرة، وهو التردد بين الأقل والأكثر.
ومن هنا يقع الكلام في مقامين رئيسيين الأول في دوران الأمر بين المتباينين، والثاني في دوران الأمر بين الأقل والأكثر.
المقام الأول دوران الأمر بين المتباينين
ولا بد أولاً من التنبيه على أمور:
الأول: إنَّ التكليف المعلوم أعم من نوع التكليف كالعلم بالوجوب أو الحرمة، ومن جنسه كما إذا تردد التكليف بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر، فالمعلوم هنا هو الالزام والتردد في متعلقه وهو الوجوب أو الحرمة، فالبحث لا يختص بأحد هذين القسمين بل يشمل كُلاً منهما.
الثاني: إنَّ البحث لا يختص بالشبهات الحكمية بل يعم الشبهات الموضوعية كما في تردد الحرام بين إناءين أو ترددت القبلة بين جهتين، فإنَّ المكلف به وإن كان معلوماً وهو الحرمة في المثال الأول ووجوب التوجه الى القبلة في الثاني إلا أنَّ مصداقه مردد بين متباينين.
والخلاصة: المهم في دخول المسألة في محل الكلام هو وصول التكليف الى المكلف بالعلم الإجمالي وأن يكون التردد فيما يتحقق به الامتثال.
الثالث: إنَّ الكلام في أنَّ التكليف المعلوم بالإجمال مع تردد المكلَّف به هل يتنجز على المكلف فتجب موافقته القطعية وتحرم مخالفته القطعية أو لا، أو قل إنَّ حال العلم الإجمالي من حيث التنجيز كحال العلم التفصيلي أو كحال الشك البدوي والاحتمال بناءً على مسلك قبح العقاب بلا بيان؟
وهذا ما يستدعي الكلام عن حقيقة العلم الإجمالي ومنجزيته، فنتكلم أولاً عن أنَّ العلم الإجمالي هل ينجز حرمة المخالفة القطعية كالعلم التفصيلي بالتكليف أو لا ينجزها، وعلى الثاني لا تصل النوبة الى البحث عن منجزيته لوجوب الموافقة القطعية، أو يقال بالتفصيل.
ومن الواضح أنَّ هذا البحث إنما نتحاج إليه بناءً على مسلك قبح العقاب بلا بيان، لأنه لا يوجد ما يحتمل كونه منجزاً لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية سوى العلم الإجمالي، فلا بد من البحث في أنه هل ينجز كِلا الأمرين أو لاً، وأما بناءً على مسلك حق الطاعة ومنجزية الاحتمال فلا داعي لهذا البحث باعتبار تنجُّز التكليف بنفس الاحتمال، وإنما يقع البحث بناءً على هذا المسلك عن جريان الأصول المؤمنة في الأطراف أو عدم جريانها.
نعم يظهر من الدراسات[1] أنَّ البحث في منجزية العلم الإجمالي مستغنى عنه وبلا جدوى حتى على البراءة العقلية، لأنَّ احتمال التكليف منجَّز لأنه مساوق لاحتمال العقاب على المخالفة، ومعه يستقل العقل بلزوم الطاعة ولزوم التحرز عن المخالفة، وهذا هو الملاك الوحيد لحكم العقل بلزوم الاطاعة حتى في موارد العلم التفصيلي بالتكليف أو قيام الحجة عليه، لأنَّ مخالفة التكليف المعلوم تفصيلاً لا تستلزم القطع بالعقاب بل احتماله، لاحتمال اللطف الإلهي أو الشفاعة أو التوبة ونحو ذلك، فالذي يُخاف منه عند المخالفة هو احتمال العقاب لا القطع به وهو كاف في حكم العقل بالتنجيز من دون فرق بين التكاليف المعلومة وبين التكاليف المحتملة.
نعم لا إشكال في أنَّ احتمال عدم العقاب في مخالفة التكليف المحتمل أقوى من احتمال عدم العقاب في مخالفة التكليف المعلوم.
وعلى كل حال العقل يستقل بقبح ارتكاب ما يُحتمل فيه مخالفة التكليف الالزامي إلا أن يكون فيه مورده مؤمِّن من العقل كقاعدة قبح العقاب بلا بيان، أو من الشرع كالبراءة الشرعية، فإنه إذا فرض ذلك كان عدم العقاب متيقناً لا محالة، فلا يبقى إلا صِرف احتمال التكليف الواقعي المجرد عن احتمال العقاب على المخالفة فلا يكون منجَّزاً.
ومن هنا تكون منجزية الاحتمال لوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعيتين أو لحرمة المخالفة القطعية فقط منوطة بجريان الأصول المؤمنة في الأطراف أو في بعضها وعدمه، فإن قلنا بعدم جريانها في شيء من الأطراف كان احتمال التكليف بنفسه منجزاً بلا حاجة الى البحث عن منجزية العلم الإجمالي، لأنَّ المقتضي للتنجيز موجود قطعاً – أي الاحتمال – وإنما يجب البحث عن وجود المانع وهو الأصول المؤمنة، وإن قلنا بجريانها في تمام الأطراف فلا منجزية للإحتمال ولا للعلم الإجمالي، وإن قلنا بجريانها في بعض الأطراف فقط دون بعض سقط وجوب الموافقة القطعية وبقي التنجيز بمقدار حرمة المخالفة القطعية.