45/07/08
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الثالث
قلنا أنَّ الظاهر أنَّ نكتة هذا البحث هي أنَّ أهمية أحد الحكمين المتزاحمين هل لها تأثير في حكم العقل بلزوم الطاعة ولزوم إحراز الامتثال أو ليس لها أثر في ذلك؟
ومعنى تأثيرها في حكم العقل هو أنَّ العقل يحكم بلزوم إطاعة الأهم حتى لو استلزم عصيان المهم، وفي مقابل ذلك يقال ليس للأهمية أثر في حكم العقل، فهما حكمان شرعيان يحكم العقل بلزوم طاعتهما حتى إذا كان أحدهما أهم من الآخر.
وقلنا أنَّ هناك رأيان في المسألة، الأول هو ما اختاره المحقق النائيني قده وذكرنا ملاحظة عليه ولا بد من تجاوزها حتى يكون هذا الرأي مقبولاً، وحاصلها:
بناءً على أنَّ تأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية هو بنحو العلية التامة بحسب الفرض وهو يعني استحالة التفكيك بين العلم الإجمالي وبين حرمة المخالفة القطعية، أي استحالة الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم اجمالاً، وعليه يقال: يلزم من تقديم الأهم المخالفة القطعية للتكليف المهم، لكنه معلوم بالإجمال فكيف نرخص في مخالفته القطعية وكيف نتعقل مثل هذا الترخيص؟
نعم لا يرد ذلك في موارد التزاحم الإمتثالي وإنما نقدم الأهم وهو يعني الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف الآخر ولكن لا يرد فيه هذا الاشكال، وذلك لأننا نلتزم بارتفاع التكليف بالمهم في موارد التزاحم الإمتثالي، فلا يكون تقديم الأهم مستلزماً للقبيح وهو الترخيص في المعصية، والسر في ارتفاع التكليف بالمهم هو ما تقدم من افتراض وجود إطلاق في دليلي الحكمين وأنه يسقط في صورة تساويهما في الأهمية، ويُقيد كل واحد منهما بصورة عدم الاشتغال بالآخر، وأما في صورة عدم التساوي فيتعين سقوط إطلاق دليل المهم وبقاء اطلاق في دليل الأهم، ففي حال الاشتغال بالأهم لا أمر بالمهم، وهو معنى ارتفاع التكليف بالمهم، ومعه لا يرد الاشكال في موارد التزاحم الإمتثالي.
وأما في محل الكلام فلا مانع من الجمع بين إطلاق دليلي الحكمين المتزاحمين، لأنَّ المكلف قادر على الجمع بين الامتثالين بحسب الفرض لتغاير المتعلق بتعدد الزمان، فلا موجب لسقوط إطلاق أحد الدليلين، فخطاب الوجوب المحتمل الأهمية مطلق وخطاب الحرمة التي لا نحتمل أهميتها مطلق أيضاً، فإذا كان التكليف موجوداً والمفروض أنه معلوم إجمالاً، كما أنَّ المفروض أنَّ العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية فكيف رُخص له في مخالفة المهم بتقديم الأهم عليه؟
وطريق ذلك بالالتزام بارتفاع التكليف بالمهم كما هو الحال في التزاحم الإمتثالي، وحينئذٍ لا يكون إلزام المكلف بالموافقة القطعية بالتكليف بالأهم ترخيصاً في المعصية ولا يكون قبيحاً، فنقول:
هل يكفي في إثبات ارتفاع التكليف بالمهم ما ذكره السيد الشهيد قده من دعوى خروج التكليف بالمهم عن دائرة حق الطاعة والمولوية، وبالتالي جواز تقديم الأهم من دون لزوم محذور عقلي أو لا يكفي ذلك؟
الجواب: الظاهر أنَّ ذلك كافٍ في إثبات ارتفاع التكليف بالمهم، ولا يكون تقديم الأهم مستلزماً لمحذور الترخيص في المعصية، وذلك باعتبار أنَّ خروج التكليف عن دائرة حق الطاعة يعني أنَّ المولى ليس له حق الطاعة في هذا التكليف، وأنَّ المكلف إذا ترك امتثاله لا يكون مستحقاً للمؤاخذة، ومن الواضح أنَّ مثل هذا التكليف لا تكون مخالفته ومعصيته قبيحة عقلاً، ولا نحتاج إلى أكثر من ذلك لإثبات تقديم الأهم على المهم، لأنَّ الإشكال فيه هو أنَّ هذا التقديم يستلزم ارتكاب المخالفة القطعية للتكليف المهم، وهو قبيح وممتنع عقلاً لأنه تفكيك بين العلة التامة ومعلولها، وهذا الاشكال لا يرد في التزاحم الإمتثالي لارتفاع المهم حقيقة عند الاشتغال بالأهم، كما لا يرد هنا أيضاً إذا التزمنا بخروج المهم عن دائرة حق الطاعة، لأنَّ مخالفته ليست قبيحة عقلاً لأنها ليست معصية للمولى، وحينئذٍ لا إشكال في تقديم الأهم إذ لا يلزم من ذلك إلا الترخيص في مخالفة تكليف خارج عن دائرة حق الطاعة، ولا قبح في هذه المخالفة ولا في الترخيص فيها لأنه ليس ترخيصاً في معصية.
وأما ما تقدم من أنَّ مقتضي وجوب الموافقة القطعية تعليقي ومقتضي حرمة المخالفة القطعية تنجيزي وهو يؤدي الى أن يكون الثاني مانع من الأول فقد تقدم الجواب عنه بأنَّ التعليقية في وجوب الموافقة القطعية لا يُراد بها التعليق على حرمة المخالفة القطعية، وإنما يُراد بها التعليق على عدم ورود الترخيص الشرعي في ترك الموافقة القطعية، وحيث أنَّ عدم الترخيص الشرعي في ترك الموافقة القطعية حاصل فتأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية يكون تنجيزياً لعدم المانع منه، فتأثير العلم الاجمالي فيهما تنجيزي فلا داعي لتقديم أحدهما على الآخر.
وعلى أي حال المهم في تجاوز الاشكال هو النظر فيما ما ذكره السيد الشهيد قده من دعوى خروج المهم عن دائرة حق الطاعة فإن تم ذلك تم كلام المحقق النائيني.
وهنا لا بد من الرجوع الى العقل الحاكم في هذا المقام، والسؤال هل يرى العقل خروج المهم من دائرة حق الطاعة للمولى فلا تكون مخالفته معصية قبيحة، أو لا يرى ذلك كما يدعي ذلك السيد الخوئي قده؟
يمكن أن يقال إنَّ العقل يحكم بلزوم طاعة المولى، وهذا الحكم العقلي إنما هو باعتبار ما هو الأهم من أغراض المولى، فإذا فرضنا أنَّ الغرض المترتب على أحد الحكمين كان أهم من الغرض المترتب على الحكم الآخر بنظر المولى، فهل العقل يحرك نحو تحصيل الغرض الأهم أم هما متساويان بنظره؟
الظاهر وبحسب ما ندركه بعقولنا أنَّ العقل يُحرك نحو تحصيل الغرض الأهم بنظر الشارع، وإن استلزم فوات الغرض الآخر، لأنَّ الغرض لو كان مراداً تكوينياً للمولى لتحرك نحوه، فهذه الدعوى تامة وبها يندفع الاشكال.
فالصحيح هو ما ذكره المحقق النائيني من لزوم رعاية جانب الأهم أو محتمل الأهمية.