45/07/05
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الثالث
كان الكلام في ما ذكره المحقق النائيني قده من الاستدلال على لزوم مراعاة جانب محتمل الأهمية، فتجب موافقته القطعية، فإن فرضنا أنَّ الوجوب كان كذلك فيجب على المكلف الفعل في كِلا اليومين وإن استلزم ذلك المخالفة القطعية للحرمة.
وأجاب عنه السيد الخوئي قده بجوابين نقضي وحلي تقدم ذكرهما، وبقيت نقطة في الجواب الحلي لا بد من بيانها، وحاصلها:
ذكر السيد الخوئي قده في جوابه أنه لا دليل على وجوب تقديم محتمل الأهمية، وإنما نلتزم بذلك في حالتين:
الأولى: ما إذا كان لدليلي الحكمين إطلاق لفظي، ففي حالة تساويهما في الأهمية يسقط كلا الاطلاقين، وفي حالة كون أحدهما أهم أو محتمل الأهمية فيسقط إطلاق الآخر ويبقى محتمل الأهمية على حالة، ويطلب الإتيان بمتعلقه مطلقاً، أي سواءً اشتغل بالآخر أو لا.
الثانية: إذا كان لم يكن لدليل الحكم إطلاق كما لو كان لُبياً، فننتقل الى ملاك الحكمين فإن كان أحدهما محتمل الأهمية كما هو المفروض فيتعين تقديمه، إذا لا يحتمل جواز تفويت ملاكه وتحصيل ملاك الآخر، أو قل إنَّ ملاك غير محتمل الأهمية يجوز تفويته قطعاً سواءً كان مساوياً لمحتمل الأهمية أو كان أقل منه.
ثم يقول: إلا أنَّ المقام ليس من هذا القبيل، أما عدم تحقق الحالة الأولى فلأنَّ الاطلاق في دليلي الحكمين باقٍ على حاله ولا موجب لسقوطه حتى لو كان أحدهما محتمل الأهمية، والذي يوجب سقوط الاطلاقين في حالة التساوي أو سقوط إطلاق دليل غير الأهم في حالة عدم التساوي هو عدم التمكن من الجمع بين الامتثالين، وأما مع فرض التمكن من امتثالهما فاطلاق دليلهما باقٍ على حاله، والمفروض عدم وجود تزاحم في أصل الامتثال في محل الكلام كما اعترف به المحقق النائيني.
وأما عدم تحقق الحالة الثانية – أي الترجيح بحسب الملاك والغرض - فهي أيضاً من توابع عدم القدرة على الجمع بين الامتثالين وتحصيل كِلا الملاكين، فيقال إذا كان أحدهما أهم أو محتمل الأهمية وجب تحصيله، وأما حيث يمكنه الجمع بين الغرضين فلا تصل النوبة الى تقديم محتمل الأهمية على غيره، وعليه لا مجال لتقديم محتمل الأهمية.
ثم يذكر النكتة التي أشار إليها المحقق النائيني قده - وهي أنَّ العقل يحكم بلزوم احراز الامتثال كما يحكم بلزوم الامتثال، والتزاحم إنما يقع بين لزوم احراز امتثال الحكمين فتطبق عليه أحكام باب التزاحم – ويجيب عنها بما حاصله:
إنَّ حكم العقل بلزوم احراز الامتثال لا يختص بتكليف دون تكليف، ومن غير فرق بين ما كان في أعلى مراتب الأهمية وبين ما كان في أدنى مراتب الأهمية، فلا وجه لتقديم محتمل الأهمية على غيره والحكم بلزوم موافقته القطعية وإن استلزمت المخالفة القطعية للتكليف الآخر.
وبعبارة أخرى إنَّ التزاحم في المقام إنما هو بين حكم العقل بلزوم احراز الامتثال في هذا الحكم وبين حكمه بلزوم احراز الامتثال في الحكم الآخر، وملاك هذا الحكم العقلي ليس هو المصالح والمفاسد حتى تُراعى في الأهم أو محتمل الأهمية، وإنما الملاك هو حق الطاعة للمولى، ولا فرق فيه بين الحكمين من هذه الجهة.
وبناءً عليه لا بد من الالتزام بالتخيير الابتدائي في الواقعة الأولى، فإذا التزم فيها بالفعل فلا بد أن يلتزم به في الواقعة الثانية، وإذا التزم بالترك في الأولى فلا بد أن يلتزم به في الواقعة الثانية.
الملاحظة على كلام السيد الخوئي:
إنَّ حاصل كلام السيد الخوئي قده هو أنَّ الأهمية لا تأثير لها في التكليف المعلوم بالإجمال من جهة حكم العقل بلزوم احراز الامتثال، وإنما المؤثر هو حق الطاعة للمولى، ولكن يصعب قبول ذلك لأنَّ الأهمية المذكورة إنما هي بنظر المولى فكيف يقال إنَّ العقل لا يراعي ذلك مع أنَّ الملاك في حكمه هو حق الطاعة للمولى!
بل الصحيح هو أنَّ لها تأثير في ذلك لأنَّ حكم العقل إنما هو بملاك تحقيق ما يُهم المولى من أغراضه وملاكاته، فإذا كان أحد الغرضين أهم أو محتمل الأهمية فإنَّ العقل يحكم بلزوم التحرك نحوه حتى إذا أدى ذلك الى المخالفة القطعية للغرض الآخر.
وعلى كل حال يتبين مما تقدم أنَّ نكتة البحث هي أنَّ الأهمية هل لها تأثير في حكم العقل بالإطاعة ولزوم احراز الامتثال بحيث يحكم العقل بلزوم إطاعة الأهم ولزوم حفظه وإن استلزم المخالفة القطعية للتكليف الآخر باعتبار أنها الأكثر إطاعة للمولى ولحفظ مولويته، أو أنها ليس لها تأثير في ذلك بل يكون حكم العقل بلزوم الطاعة ثابت في كل تكليف إلزامي سواء كان أهم أو لم يكن كذلك؟
وعرفنا مما تقدم أنَّ السيد الخوئي قده يلتزم بالثاني بينما اختار المحقق النائيني قده الأول، أي أنَّ الأهمية لها أثر في حكم العقل هذا، ويلاحظ على مختار المحقق النائيني أنه لا ينسجم مع ما هو المفروض في محل الكلام من أنَّ تأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية هو بنحو العلية التامة، وتوضيح ذلك:
إنَّ العلية التامة تعني استحالة الترخيص في المخالفة القطعية لأنه يعني التفكيك بين العلة التامة وبين معلولها، نعم في موارد التزاحم الإمتثالي يقدم الأهم ويرخص في المخالفة القطعية للمهم، لكنه باعتبار ارتفاع التكليف بالمهم حقيقة عند الاشتغال بالأهم، ومن الواضح إنَّ العقل إنما يحكم باستحالة الترخيص في مخالفة التكليف مشروطاً بعدم ارتفاعه، وأما إذا فرض ارتفاعه فلا معنى لبقاء حكمه، ولا يكون هذا منافياً للالتزام بالعلية التامة لحرمة المخالفة القطعية، وأما في محل الكلام فالتكليف بالمهم فعلي، فيستحيل الترخيص في مخالفته بناءً على العلية التامة، وأما في موارد التزاحم الإمتثالي فعدم قدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين يستوجب سقوط خطاب المهم في حالة الاشتغال بالأهم، فلا يكون المهم مأموراً به حينئذٍ، فلا يكون الترخيص في مخالفته ترخيصاً في المعصية القبيحة بنظر العقل حتى يكون ممتنعاً بناءً على العلية التامة، وأما في المقام فالمفروض قدرة المكلف على الجمع بين لامتثالين.