45/06/26
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الثالث
كان الكلام فيما إذا كانت هناك مزية لأحد المحتملين كما إذا فرضنا أنَّ الوجوب أهم أو محتمل الأهمية من الحرمة، فالكلام يقع في أنَّ ما انتهينا إليه في صورة عدم وجود مزية من تعين الموافقة الاحتمالية على المكلف بأن يفعل في اليومين أو يترك فيهما، هل يجري مع فرض وجود المزية أو لا؟
فإذا فعل في اليومين فقد راعى جانب الأهم وهو الوجوب، وإذا ترك فيهما فقد راعى الجانب المهم وهو الحرمة، فهل يجب عليه ذلك أم يبقى مخيراً بين الفعل والترك في الواقعة الأولى، ولكن يجب عليه أن يلتزم في الواقعة الثانية بما اختاره في الأولى؟
قد يقال: لا تجب مراعاة جانب الأهم ويُستدل عليه بدليل مبني على دعوى أنَّ العلم الاجمالي ينجز حرمة المخالفة القطعية على نحو العلية، ولكنه ليس كذلك بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية وإنما تأثيره فيها على نحو الاقتضاء.
فالمدعى أنه لا بد من تقديم الأهم وموافقتها القطعية بأن يختار الفعل في اليومين، ولكن ذلك يستلزم المخالفة القطعية للتكليف الآخر المهم المعلوم إجمالاً، وبناءً على المبنى المذكور لا بد من تقديم تأثير كُلاً من العلمين في حرمة المخالفة القطعية على تأثير الآخر في وجوب الموافقة القطعية، لأنَّ التأثير الأول كان تنجيزياً وحتمياً بخلاف الثاني فإنه تعليقي، فيكون الأول مانعاً من الثاني كما هو الحال في كل مقتضيين ومتزاحميين أحدهما تنجيزي والآخر تعليقي، وعليه لا بد من رفع اليد عن تأثير العلم الإجمالي بالأهم في وجوب الموافقة القطعية لوجود المانع وهو تأثير العلم الإجمالي بالمهم في حرمة المخالفة القطعية، وعليه فلا يتعين على المكلف الفعل في اليومين.
ويلاحظ عليه:
أولاً: إنَّ التعليقية المذكورة في تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية لا يراد بها التعليق على عدم تأثير المقتضي العقلي الآخر حتى يكون مانعاً من تأثير هذا العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية، بل المراد بالتعليقية على ما صرَّح به أصحاب هذا المسلك هو التعليق على عدم وصول ترخيص من الشارع في عدم وجوب الموافقة القطعية، والمفروض في المقام عدم وصوله في كل من الطرفين، وإلا لما وقع هذا الكلام، لوضوح عدم تعيُّن الفعل عليه في اليومين، وعليه يكون اقتضاء العلم الإجمالي بالأهم في أحد اليومين لوجوب الموافقة القطعية منجَّزاً كما هو الحال في اقتضاء العلم الإجمالي بالمهم في أحدهما لحرمة المخالفة القطعية، ويكون التزاحم حينئذٍ بين المقتضَيين التنجيزيين، فيجب مراعاة الأهم لأهميته.
وعليه فالدليل الذي ذُكر لمنع لزوم مراعاة جانب الأهم ليس تاماً.
وثانياً: إنَّ منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية بنحو العلية لا تعني حتمية التأثير مطلقاً وفي جميع الأحوال حتى في حالة ما إذا فرضنا أنَّ التكليف على تقدير وصوله لا يدخل في حق الطاعة وحق المولوية، بل يختص بما إذا كان التكليف مما ثبت فيه حق الطاعة، وحينئذٍ يكون تأثير العلم الإجمالي في حرمة مخالفته حتمياً وتنجيزياً، والوجه في ذلك واضح لأنَّ التكليف الواصل بالعلم الإجمالي إذا لم يكن للمولى حق الطاعة فيه فالعقل لا يحكم بحرمة مخالفته أصلاً، لأنه إنما يحكم بذلك لكون المخالفة خروجاً عن حق الطاعة، وفي محل الكلام يُدعى بأنَّ المهم في حالة مزاحمته مع الأهم عند المولى وعدم قدرة المكلف على امتثالهما معاً لا يثبت فيه حق الطاعة ولا يدخل في دائرة المولوية، بحيث يجر العبد من جانب الأهم الى المهم، فلا يكون مانعاً من تأثير العلم بوجوب الأهم في وجوب الموافقة القطعية، وذلك بأن يفعل في اليومين فقط، وهذا نظير موارد القطع التفصيلي بالتكليف فإنه بالرغم من ذلك يتركه المكلف إذا كان مزاحماً بما هو أهم منه، مع أنَّ تأثير العلم التفصيلي في حرمة المخالفة القطعية تنجيزي بلا إشكال، فلماذا لا يكون مقبولاً في موارد العلم الإجمالي ويكون مقبولاً في موارد العلم التفصيلي؟!
هذا ما استُدل به على عدم لزوم مراعاة الأهم.
الاستدلال على لزوم مراعاة الأهم:
وفي مقابل ذلك استُدل على لزوم مراعاة جانب الأهم، وذلك بأن يفعل في اليومين فقط، بما حاصله:
إنَّ كل حكم فعلي واصل الى المكلف يقتضي أمرين: الأول لزوم امتثاله، والثاني لزوم إحراز امتثاله، وعليه فالوجوب المعلوم بالإجمال كما يقتضي إيجاد متعلقه كذلك يقتضي لزوم احراز امتثاله، وذلك بأن يفعل في اليومين، وكذا الكلام في الحرمة، وهذان الحكمان وإن لم يكن بينهما تزاحم من ناحية أصل الامتثال وإنما يكون بينهما تزاحم في احراز الامتثال.