الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الثالث

كان الكلام في المقام الثالث وهو فيما لو دار الأمر بين محذورين مع تعدد الواقعة مع كون المحتملين توصليين، كما إذا علمنا بوجوب الفعل في يوم الجمعة أو السبت أو حرمته فيهما، ومثاله ما إذا حلف المكلف إما على الفعل أو على الترك في يومي الجمعة والسبت، فكل واقعة يدور أمرها في هذا الفرض بين محذورين.

وهذا العلم الإجمالي لا يمكن موافقته القطعية ولا مخالفته كذلك، فلا يكون قابلاً لتنجيز أحداهما لعدم قدرة المكلف عليهما، فحال العلم الإجمالي هنا حاله في المقام الأول.

نعم أبرزوا في المقام شيئاً، قالوا إنَّ العلم الإجمالي في هذا المقام يتولد منه علمان إجماليان ولا بد من ملاحظتهما، فقد يوجبان شيئاً مغايراً للمقام الأول، وهما:

الأول العلم بوجوب هذا الفعل في يوم الجمعة أو حرمته في يوم السبت.

الثاني العلم بحرمة هذا الفعل في يوم الجمعة أو وجوبه في يوم السبت.

وذلك باعتبار أنَّ المفروض في المقام أنَّ المكلف حلف إما على الفعل في اليومين فيكون واجباً فيهما، أو حلف على الترك فيهما فيكون حراماً كذلك، وهذا يعني أنَّ احتمال وجوب الفعل في يوم الجمعة كما يقابله احتمال حرمته في يوم الجمعة كذلك يقابله احتمال حرمة الفعل في يوم السبت، وذلك لأنَّ فرض الحرمة في يوم الجمعة يلازم فرض الحرمة في يوم السبت بحسب الفرض، هذا هو العلم الإجمالي الأول.

ونفس الكلام يقال في الحرمة، بمعنى أنَّ احتمال الحرمة في يوم الجمعة يقابله احتمال الوجوب في يوم الجمعة واحتمال الوجوب في يوم السبت، وذلك للملازمة المتقدمة، أي أنَّ المفروض أنَّ الفعل إذا كان واجباً في يوم الجمعة فهو كذلك في يوم السبت، وهذا ما يصحح القول بأنَّ الفعل في يوم الجمعة إما حرام أو واجب، وكذا القول بأنَّ الفعل في يوم السبت إما حرام أو واجب.

وهذان علمان إجماليان علم بوجوب الفعل في يوم الجمعة أو حرمته في يوم السبت، والثاني بعكسه أي العلم اجمالاً إما بحرمة الفعل في يوم الجمعة أو وجوبه في يوم السبت، وهذه خصوصية موجودة في هذا المقام من جهة تعدد الواقعة، وليست موجودة في المقام الأول.

والعلم الإجمالي الأول بوجوب الفعل في يوم الجمعة أو حرمته في يوم السبت يمكن مخالفته القطعية بأن يترك الفعل في يوم الجمعة ويفعل في السبت، كما يمكن موافقته القطعية بأن يفعل في الجمعة ويترك في السبت، ونفس الكلام يقال في العلم الإجمالي الثاني، فهذان العلمان الاجماليان المتولدان كل واحد منهما يمكن مخالفته القطعية كما يمكن موافقته القطعية، وهذا يعني أنَّ الموافقة القطعية لأحد هذين العلمين هو مخالفة قطعية للآخر، كما أنَّ المخالفة القطعية لأحدهما هي موافقة قطعية للآخر، وهذا يعني أنه لا يمكن للمكلف أن يوافق هذين العلمين معاً.

ومن هنا يقال بأنَّ الموافقة القطعية وإن كانت غير ممكنة لهذين العلمين الاجماليين إلا أنه لا تجوز له المخالفة القطعية بأن يفعل في أحد اليومين ويترك في اليوم الآخر، فإما أن يفعل في كِلا اليومين أو يترك فيهما، وهذه موافقة احتمالية للتكليف المعلوم بالإجمال.

والكلام يقع في أنه هل تجب الموافقة الاحتمالية أو لا، وأنَّ التخيير في أصل المسألة هل هو تخيير ابتدائي أو تخيير استمراري؟

ولا يخفى أنَّ لازم وجوب الموافقة الاحتمالية في المقام كون التخيير فيها ابتدائياً لا استمرارياً، لأنَّ التخيير الاستمراري قد يستلزم المخالفة القطعية كما إذا اختلف اختياره في اليومين.

وقد يقال بعدم وجوب الموافقة الاحتمالية، أي أنَّ التخيير استمراري، فيجوز له أن يختار الفعل في الجمعة والترك في اليوم السبت، لأنَّ الفعل في يوم الجمعة والترك في السبت وإن كان فيه مخالفة قطعية لأحد العلمين الاجماليين وهو العلم الإجمالي الثاني، إلا أنَّ فيه موافقة قطعية للعلم الإجمالي الأول.

وكأنَّ هذا هو الذي يبرر تجويز التخيير الاستمراري وعدم لزوم الموافقة الاحتمالية.