45/06/19
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الثاني
ذكرنا أنه بناء على أنَّ العلم الإجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية فلا يمكن الالتزام بحرمة المخالفة القطعية في محل الكلام وفي مسألة الاضطرار الى أحد الطرفين لا بعينه إلا على أساس التوسط في التكليف، إذ لا يمكن الجمع بين حكم العقل بالعلية التامة لوجوب الموافقة القطعية وبين الترخيص في بعض الأطراف، نعم يمكن الالتزام بمنجزية حرمة المخالفة القطعية بالالتزام بالتوسط في التكليف، وذلك بالتبديل في متعلق العلم الإجمالي من التعيين الى التخيير، لأنه عند رفع الاضطرار بأحدهما يثبت التكليف في الآخر فيحرم ارتكابه، وبه تتحقق وتنحصر المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال.
لكن هذا يصح في مسألة الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، إذ يمكن تقييد التكليف في كل طرف بمخالفته في الطرف الآخر، إذ لا محذور في أن يقال في الشبهة التحريمية مثلاً يحرم عليك هذا الطرف إذا ارتكبت الطرف الآخر للاضطرار وبالعكس، وينتج حرمة المخالفة القطعية، ولكنه لا ينطبق في محل الكلام لاستحالة أن يكون وجوب الفعل بقصد القربة مشروطاً بمخالفة الطرف الآخر – أي الحرمة – لأنَّ مخالفتها تكون بالفعل، ومع تحققه في الخارج في المرتبة السابقة على الأمر يستحيل أن يكون التقرب داعياً ومحركاً نحو إيجاده خارجاً، وعليه فلا بد من الالتزام بسقوط الوجوب المحتمل رأساً في المقام، لأنه بنحو مشروط غير معقول وبنحو الاطلاق ينافي الترخيص التخييري المفروض في محل الكلام، وحينئذٍ تجري البراءة في الطرف الآخر لكون الشك شكاً في التكليف، فيكون كالاضطرار الى أحد الطرفين بعينه الذي يوجب سقوط التكليف على تقدير كونه في ذلك الطرف فتجري البراءة في الطرف الآخر.
نعم التقييد من جانب الحرمة بمخالفة الطرف الآخر – أي الوجوب القربي – أمر معقول لأنَّ مخالفته بحسب الفرض لا تلازم الترك لإمكان تحققها بالفعل المجرد عن قصد القربة.
وعليه نقول: من يلتزم بالعلية التامة - كالمحقق العراقي - يمكنه الالتزام بحرمة المخالفة القطعية في باب الاضطرار عن طريق التوسط في التكليف، ولا يمكنه الالتزام بحرمة المخالفة القطعية في المقام لأنَّ التوسط في التكليف غير معقول في محل الكلام، بل يتعين عليه الالتزام بسقوط التكليف المعلوم بالإجمال رأساً، فتجري البراءة في الطرف الآخر.
وأما المحقق الخراساني فعلى تقدير قوله بالاقتضاء - كما هو الظاهر منه في مباحث القطع - يمكنه الالتزام بحرمة المخالفة القطعية في المقام عن طريق التوسط في التنجيز، كما يمكنه الالتزام بذلك في مسألة الاضطرار الى أحد الطرفين لا بعينه، لكنه كما عرفت لم يلتزم بذلك في مسألة الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، والتزام هناك بسقوط العلم الاجمالي رأساً عن المنجزية لما تقدم ذكره.
ومن هنا يقال بأنَّ التزامه بحرمة المخالفة القطعية في المقام وعدم التزامه بذلك في تلك المسألة أمران متنافيان، وذلك لأنه وإن كان يلتزم بالعلية التامة كما هو ظاهره في مباحث الاشتغال بل في مسألة الاضطرار فلا بد من الالتزام بسقوط العلم الإجمالي عن المنجزية رأساً في المسألتين حتى بالنسبة الى المخالفة القطعية.
وقد عرفت أنَّ القول بالتوسط في التكليف بناءً على العلية التامة يقتضي عكس التفصيل الذي ذكره، لأنَّ التوسط في التكليف الذي ينتج حرمة المخالفة القطعية لا يجري في المقام ويجري في مسألة الاضطرار، وهذا يقتضي الالتزام بحرمة المخالفة في مسألة الاضطرار لا في المقام.
وهناك كلام في دخول محل الكلام في مسألة الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، فإنَّ السيد الشهيد قده ذهب الى دخوله في مسألة الاضطرار الى أحدهما بعينه، وذكراً وجهاً لذلك فليراجع.
وأما دعوى التوسط في التكليف التي ذُكرت كحل للوصول الى منجزية حرمة المخالفة القطعية فبحاجة الى إثبات، فإنها تؤول الى التصرف في الحكم الشرعي الواقعي بتحويله من التعيين الى التخيير، فإن كان المقصود منه هو التبدل القهري في الحكم من دون توسيط إرادة الشارع فلا يمكن الالتزام به، وإن كان المقصود منه التبدل بتوسيط إرادته فهو بحاجة الى إثبات وإن كان ممكناً في حد نفسه، فالتوسط في التكليف إما هو غير معقول أو لا دليل عليه.
والصحيح في المقام هو حرمة المخالفة القطعية، سواءً قلنا بالاقتضاء أم بالعلية التامة، أما على الاقتضاء فلقدرة المكلف عليها، كما لا يكون العلم الاجمالي منجزاً لوجوب الموافقة القطعية لعدم القدرة عليها، ولا تصرف حينئذٍ في التكليف الشرعي الواقعي.
وأما على القول بالعلية التامة فمنجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة الاحتمالية إنما يتم في غير حالة العجز التكويني، أي يكون العلم الاجمالي منجزاً لوجوب الموافقة القطعية في مسألة الاضطرار الى أحدهما لا بعينه.