45/06/13
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الأول
كان الكلام فيما ذكره المحقق الخراساني قده من استقلال العقل بالتعيين في مورد احتمال الترجيح في أحد الطرفين المعين مع المزية كما هو الحال في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير إذا يحكم العقل بالتعيين، ولعل الوجه فيه كما عن المحقق العراقي قده هو أنَّ ملاك حكم العقل بالتخيير هو فقد المرجح وأما مع وجوده فلا يحكم بالتخيير.
ويمكن دفعه بأنه لو سُلِّم ما ذُكر من ملاك للحكم العقلي فالكلام في كون مجرد احتمال أهمية أحدهما المعين هل يكون موجباً لترجيح أو لا، وبعبارة أخرى إنَّ العقل هل يرى ذلك مرجحاً بحيث يرتفع مناط حكمه بالتخيير ويحكم بالتعيين أو لا؟
الجواب: الصحيح إنَّ ذلك لا يوجب الترجيح بنظر العقل، إذ لم يحصل بنظر العقل ما يُدخل الطرف ذا المزية في دائرة التنجيز بعد فرض تساوي نسبة العلم الإجمالي الى كلٍ من الطرفين وبعد الفراغ عن عدم منجزية الاحتمال.
وبعبارة أخرى إنَّ كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير التي يحكم العقل فيها بالتعيين لها موارد والمقام ليس منها، فمن هذه الموارد:
1. تعارض الخبرين مع وجود مزية في أحدهما كالأحدثية، أي كون الخبر مروياً عن إمام متأخر، مع احتمال الترجيح بالأحدثية، فإذا فرضنا وجود ما يدل على التخيير مطلقاً فلا إشكال ونعمل بالتخيير، وأما إذا فرضنا عدم وجود دليل يدل على التخيير مطلقاً فحينئذٍ يثبت التخيير بينهما بملاك عدم جواز طرح الحجتين مع عدم إمكان العمل بهما، فيحكم العقل بتعيين الأخذ بذي المزية لأنه معلوم الحجية على كل حال إما تعييناً وإما تخييراً، وأما الآخر فلا يكون معلوم الحجية على كل تقدير، إذ على تقدير أن يكون الترجيح بالأحدثية ثابتاً فلا يكون حجة.
والمقام ليس من هذا القبيل لوضوح أنه لا يوجد في محل الكلام حجتان يجب الأخذ بأحدهما ولا يجوز طرحهما.
2. موارد تزاحم الواجبين مع احتمال أهمية الملاك في أحدهما المعين، كإنقاذ غريقين مع احتمال لأهمية في أحدهما، والقاعدة العامة في التزاحم هي تخيير المكلف بينهما في صورة تساويهما في الأهمية، كما أنَّ القاعدة تقتضي الحكم بترجيح أحدهما إذا كان أهم من الآخر، وأما في فرض احتمال الأهمية فنقول إنَّ الأمر يدور بين تعيين محتمل الأهمية وبين التخيير بينه وبين الآخر، فيحكم العقل بلزوم الأخذ بجانب التعيين.
والمقام لا يدخل في هذا المورد أيضاً لأنَّ المفروض أنَّ الحكم المجعول واحد مردد بين الوجوب والحرمة، كما أنَّ الملاك واحد أيضاً.
3. إذا ثبت وجوب شيء ودار أمره بين التعيين والتخيير كالإطعام في خصال الكفارة، فهو واجب على كل تقدير إما تعييناً وإما تخييراً، والعقل يحكم بلزوم الأخذ بجانب التعيين.
والمقام لا يدخل في هذا المورد أيضاً إذ ليس هناك وجوب معلوم حتى يدور أمره بين التعيين والتخيير، وإنما هناك علم بالإلزام الأعم من الوجوب والتحريم، وأما الإطعام في المثال فمعلوم الوجوب قطعاً.
وعليه لا يصح إدخال محل الكلام في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير.
فتبين مما تقدم أنَّ الحكم العقلي بالتخيير في المقام باقٍ على حاله في صورة وجود المزية في أحدهما سواء كانت بلحظ الاحتمال أو بلحاظ المحتمل، هذا كله بناءً على مسلك قبح العقاب بلا بيان.
وأما بناءً على مسلك حق الطاعة ومنجزية الاحتمال فالصحيح إنَّ العقل يحكم بالتعيين ولزوم الاتيان بذي المزية احتمالاً أو محتملاً، والسر فيه هو أنَّ العقل كما يحكم بمنجزية أصل الاحتمال كذلك يحكم بمنجزية الدرجة الزائدة عليه من الاحتمال الموجودة في أحد الطرفين المعين وهو ذو المزية، وكذا يحكم بمنجزية احتمال أهمية الملاك في أحدهما وأقوائيته إذا كانت المزية بلحاظ المحتمل.
هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو دوران الأمر بين المحذورين – الوجوب والتحريم – مع وحدة الواقعة وكون منهما توصلياً.
المقام الثاني: ما إذا كانت الواقعة واحدة غير قابلة للتكرار مع كون أحدهما المعين تعبدي على الأقل، بمعنى أنَّ ما يُذكر هنا يجري بعينه فيما لو كان كل منهما تعبدياً.
ويفترق هذا المقام عن المقام الأول بالتمكن من المخالفة القطعية، وأما الأول فالمفروض فيه عدم التمكن من الموافقة القطعية ومن المخالفة القطعية معاً، وأما في المقام الثاني فيمكن أن يأتي المكلف بالفعل من دون قصد القربة فيخالف المعلوم بالإجمال قطعاً.