45/06/09
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة التخيير / المقام الأول
كان الكلام في القول الخامس من الأقوال في مسألة دوران الأمر بين محذورين، والقائل بتقديم جانب التحريم لأنَّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة.
وأرود عليه بوجوه حاصلها:
الأول: لا دليل على هذه القاعدة لا شرعاً ولا عقلاً، والمدار على ترجيح الأهم في كل مورد مورد.
الثاني: يمكن أن نتصور أنَّ الوجبات تشتمل على دفع المفسدة ولا تقتصر على جلب المنفعة كما ذُكر.
ويلاحظ عليهما:
أما الايراد الثاني فهو خلاف ما اتفقوا عليه من أنَّ الوجوب ناشئ من مصلحة في الفعل والتحريم ناشئ من مفسدة فيه، نعم نُسلَّم أنَّ الوجوب قد يتفق أن يكون ناشئاً من مصلحة في الفعل ومفسدة في الترك، لكنه خارج عن كونه وجوباً محضاً وليس الكلام في مثله، مع أنه يستلزم تعدد الحكم لمتعلق واحد.
وأما الإيراد الأول فإنما يتم لو كان المدعى هو تقديم جانب التحريم في جميع موارد دوران الأمر بين محذورين، وأما لو ادعي ذلك في موارد خاصة فلا محذور فيه، ومن ذلك ما أشار إليه في الكفاية من أننا لو أحرزنا أنَّ المفسدة على تقدير التحريم أقوى من المصلحة على تقدير الوجوب فهذا يدخل في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وذلك باعتبار أنَّ ترك الفعل إما هو طرف في التخيير وإما هو معين على المكلف، وهذا نظير مسألة القصر عند شك المسافر أنَّ هذا المكان هل هو من أمكنة التخيير أو لا، فعلى تقدير كونه منها فالقصر واجب تخييري وعلى تقدير أن لا يكون منها فالقصر يكون واجباً تعييناً، وفي محل الكلام نقول إذ فرضنا أنَّ جانب الحرمة أهم من جانب الوجوب فترك الفعل إما أن يكون واجباً تعييناً أو واجباً تخييرياً، فيكون من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وفيه يحكم العقل بتقديم جانب التعيين لأنَّ به تحصل الموافقة القطعية للتكليف، وهو كتقديم احتمال القصر في مورد الشك في أمكنة التخيير الذي تحصل به الموافقة القطعية بخلاف احتمال التمام، ففي هذا المورد يقال بتقديم جانب التحريم على جانب الوجوب ولا يصح الاعتراض عليه بعدم وجود دليل على هذه القاعدة.
ولوحظ عليه: بأنَّ المشكلة في إدخال المقام في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير تكمن في أنَّ في مورد الكبرى هو فرض تمكن المكلف من الموافقة القطعية، ولذلك قالوا لا بد من الأخذ بجانب التعيين، وهذا غير ممكن في محل الكلام، ومعه قد يُشكك في دخول المقام في تلك الكبرى.
وبعبارة أخرى: إنَّ العقل إنما يحكم بالتعيين في تلك الكبرى لأجل تحصيل الموافقة القطعية، وهذا غير متحقق في المقام لأنه غير قادر على الموافقة القطعية.
أقول: إنَّ هذا الاشكال فيه خلط بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، وهو إنما يصح بلحاظ الحكم الواقعي، فإنَّ المكلف بلحاظه لا يتمكن من الموافقة القطعية ولا من المخالفة القطعية، لأنَّ الحكم الواقعي يدور بحسب الفرض بين الوجوب والحرمة، ولا مجال لأنَّ يقال لا بد من تقديم جانب الحرمة لتحصيل الموافقة القطعية كما هو واضح، وأما بلحاظ الحكم الظاهري فيمكن أن يقال بدخول محل الكلام في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وذلك باعتبار أنَّ الحكم الظاهري في مورد دوران الأمر بين الوجوب والتحريم وعدم العلم بأحدهما يدور أمره بين إلزام المكلف بالترك وأخذ جانب الحرمة ظاهراً إذا كانت المفسدة على تقدير الحرمة أقوى من مصلحة الوجوب، وبين تخييره بين الفعل والترك ظاهراً إن لم تكن هذه المفسدة على تقدير الحرمة أقوى من المصلحة، فيمكن القول أنَّ المكلف حكمه الظاهري مردد بين الالزام بالترك وبين أن يكون الترك طرفاً للتخيير، فيكون الحكم مردد بين التعيين والتخيير ولكن بلحاظ الحكم الظاهري، وهنا يتدخل العقل ويحكم بضرورة تقديم جانب التعيين، ولا يختص حكم العقل بلحاظ الحكم الواقعي، ومعه يمكن إدراج المسألة في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير.
نعم هذا يختص بهذا الفرض ولا يشمل جميع موارد دوران الأمر بين المحذورين، فيصح أن يقال فيها – أي كبرى دوان الأمر بين التعيين والتخيير – في غير هذا الفرض أنَّ تقديم جانب الحرمة ليس قاعدة عامة إذ رُبَّ واجب أهم من حرام.
وهذا هو الجواب الصحيح عن القول الخامس.
وأما القول الرابع وهو التخيير شرعاً فأُورد عليه بأنه إن أُريد به التخيير الشرعي في المسألة الأصولية – وهو أخذ الفقيه بأحد الدليلين والافتاء بمضمونه - فلا دليل عليه.