45/05/28
الموضوع:الأصول العملية/ أصالة التخيير/المقام الأول/
بعد أن ذكرنا المناقشة فيما ذكره السيد الشهيد قده نقول:
إنَّ مفاد أدلة البراءة هو رفع الضيق والكلفة عن المكلف من ناحية الحكم الواقعي المشكوك، من دون فرق بين أن يكون الاحتمال المقابل لاحتمال الحكم الواقعي هو احتمال الترخيص كما في الشبهات البدوية أو احتمال الحرمة كما في محل الكلام، فإنَّ مصلحة التسهيل التي تقتضي البراءة كما تجري في الأول كذلك تجري في الثاني، إذ لا اشكال في أنَّ هذه المصلحة تقتضي عدم الالزام بالفعل أو الترك في الظاهر - أي الاحتياط - وإن كان الأمر دائراً بين محذورين.
وقد تبين مما تقدم عدم وجود مانع ثبوتي ولا إثباتي في جريان البراءة في المقام، إلا أنه بالرغم من ذلك يمكن أن يقال إنه وإن أمكن تصوير جريان البراءة في المقام لكن الظاهر من أدلة البراءة الشرعية هو جعل التأمين من ناحية التكليف المحتمل، بمعنى أنَّ التكليف المحتمل على تقدير اهتمام الشارع به لمَّا كان يقتضي من المكلف التحرك نحو امتثاله فالشارع يجعل البراءة لغرض التأمين من ناحية هذا التكليف المحتمل، ولبيان أنَّ ترك التحرك نحو امتثاله ليس فيه محذور، والظاهر أنَّ هذا المعنى من البراءة يستلزم أن يكون التكليف المحتمل مما له داعوية وتحريك نحو الامتثال حتى يؤمن الشارع من ناحيته، كما هو الحال في الشبهات البدوية، وأما في المقام فإنَّ احتمال الوجوب وإن كان مما لا يُعلم به فيكون موضوع أدلة البراءة متحققاً بالنسبة إليه إلا أنه لما كان مقترناً باحتمال التحريم مع تساوي الاحتمالين بحسب الفرض في نفس المكلف لا يكون قابلاً للتحريك والداعوية نحو الفعل، ولا يكون له أي أثر في نفس المكلف، ولذا لا يحتاج الى ما يؤمن من ناحيته، ولذا تكون أدلة البراءة قاصرة عن الشمول لمثل هذه الحالة.
والحاصل: إنَّ احتمال الوجوب أو احتمال التحريم إذا اقترن باحتمال الاباحة كان قابلاً لتحريك المكلف نحو الفعل أو الترك على تقدير اهتمام الشارع به، ويحتاج المكلف حينئذٍ الى مؤمن يُثبت عدم اهتمام الشارع به، وعدم وجود محذور في ترك التحرك على طبقه، وأما إذا اقترن باحتمال نقيضه فهو ليس قابلاً للداعوية والتحريك بعد تساوي الاحتمالين في نفس المكلف، ومنه يظهر وجود مانع إثباتي من جريان البراءة الشرعية في محل الكلام.
هذا ما يمكن أن يقال في البراءة الشرعية، وحاصله أنه لا مانع ثبوتي من شمول أدلة البراءة لمحل الكلام وإنما هناك مانع إثباتي فقط كما تقدم.