45/05/27
الموضوع:الأصول العملية/أصالة التخيير/المقام الأول/
الوجه الثاني للجواب عن الدليل الأول:
إنَّ رفع الالزام ظاهراً إنما يكون في مورد قابل للوضع بإيجاب الاحتياط، لأنَّ الرفع يقابل الوضع تقابل الملكة وعدمها، فإذا لم يكن المورد قابلاً للوضع فلا يكون قابلاً للرفع، والمفروض عدم إمكان الوضع في محل الكلام لاستحالة الجمع بين الفعل والترك وعليه فالمقام غير قابل للتعبد الشرعي بالرفع.
ويلاحظ عليه: بما تقدم من إمكان الوضع ظاهراً لكن بالنسبة الى كل طرف بخصوصه، فيمكن وضع وجوب الاحتياط بالنسبة الى الوجوب، وهكذا بالنسبة الى التحريم، هذا كافٍ في إمكان الرفع بالنسبة إليهما، فإمكان الرفع بالنسبة إليهما لا يتوقف على إمكان وضع الالزام في كل منهما بل يكفي فيه إمكان وضع الالزام ظاهراً في كل واحد منهما، لوضوح إمكان الاحتياط بالنسبة الى التحريم وكذا بالنسبة الى الوجوب، وهذا يكفي لإمكان الرفع بالنسبة إليهما، لأنَّ القدرة على ترك الجميع لا تتوقف على القدرة على فعل الجميع، بل يكفي فيها القدرة على كل واحد واحد من الأفراد، ولذا فإنَّ الانسان قادر على ترك الضدين وإن كان غير قادرٍ على فعلهما معاً وإنما هو قادر على فعل كل واحد منهما بخصوصه، وفي المقام فإنه وإن كان لا قدرة على وضع الاحتياط والالزام بالفعل والترك معاً لأنه جمع بين النقيضين، لكن هناك قدرة على وضع الالزام في كل واحد منهما بخصوصه، وهذا يكفي في القدرة على رفعهما معاً، فلا مانع من شمول حديث الرفع للمقام، فلا وجه للإشكال في شمول البراءة الشرعية لمحل الكلام بهذا البيان.
الوجه الثالث: وهو يختص بما إذا كان مفاد الدليل جعل الحلية للمشكوك كروايات الحل، وحاصله:
إنَّ أصالة الحل مفادها جعل الحلية الظاهرية، والمأخوذ في أصالة الحل احتمال المطابقة للواقع وإلا فلا مجال لجعلها، وفي المقام نعلم بعدم مطابقة الحلية للواقع، لأنَّ المرفوض العلم بالإلزام المردد بين الوجوب والتحريم فلا احتمال للحلية، وهذا نظير جعل الحجية للأمارة إذ يعتبر فيه احتمال المطابقة للواقع.
ويلاحظ عليه: بأنه إنما يتم في الأحكام الظاهرية الطريقية الناظرة الى الواقع، كجعل الحجية للأمارة التي أخذ فيها إحتمال مطابقة الواقع، وأما في الأحكام الظاهرية غير الطريقية كما في محل الكلام كالإباحة الظاهرية وأصالة الحل التي هي من الأصول العملية البحتة التي لا نظر لها الى الواقع، وإنما الغرض منها إخراج المكلف من الحيرة في مقام العمل عند الشك في الحكم، إما مراعاة لمصلحة التسهيل، وإما لحفظ ملاكات المباحات الواقعية الأهم من ملاكات الأحكام الإلزامية عند التزاحم بينهما، وعلى كل حال لا يُراد بها إثبات الواقع فلا يؤخذ فيها احتمال المطابقة للواقع، بل هي تجري حتى مع عدم احتمال المطابقة للواقع.
والحاصل أنَّ الحكم الظاهري وإن كان متقوماً بالشك الذي يراد به عدم العلم بالحكم الواقعي الذي يكون الحكم الظاهري منجزاً له أو مؤمناً عنه، لكن من الواضح أنَّ هذا لا يعني أنَّ كل حكم ظاهري متقوم باحتمال المطابقة للواقع، فإذا شُك في الحكم الواقعي تحقق موضوع الحكم الظاهري، وإن كان مخالفاً للواقعي كما في محل الكلام.
فتبين أنَّ هذه الوجوه غير ناهضة لرد الدليل الأول.
الوجه الرابع: ما ذكره السيد الشهيد قده وحاصله منع شمول أدلة البراة الشرعية للمقام، لكن لا بنكتة ثبوتية وإنما لنكتة إثباتية، وهذا يعني الفراغ عن عدم وجود ما يمنع من شمول الأدلة للمقام ثبوتاً، وهذه النكتة الاثباتية هي دعوى أنَّ المنساق من أدلة البراءة أنها علاج مولوي لحالات التزاحم بين الأغراض الإلزامية والأغراض الترخيصية في مقام الحفظ، لتقديم الغرض الترخيصي على الغرض الالزامي، وأما علاج حالات التزاحم بين غرضين لزوميين فلا تشمله أدلة البراءة، ففي محل الكلام إما أن نفترض رجحان التحريم على الوجوب فلا بد من جعل حكم ظاهري لصالح التحريم، وهو الإلزام الظاهري بالترك، وإما أن نفترض رجحان الوجوب على التحريم فلا بد من جعل حكم ظاهري لصالح الوجوب، وهو الالزام الظاهري بالفعل، فلا جعل للبراءة في هذين الفرضين.
وأما إذا فرض التساوي بينهما في الأهمية فلا يُلزم الشارع المكلف بأحدهما وإنما يرخصه ويطلق له العنان، وهذا معناه أنَّ البراءة وإطلاق العنان في حالات التساوي المتصورة في المقام قائمة على أساس تساوي الاحتمالين الالزاميين لا على أساس تقديم مصلحة التسهيل على مصلحة الالزام، لكن أدلة البراءة ظاهرة في هذا الأخير لا على أساس تساوي الاحتمالين الالزاميين.