الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الخامس

انتهينا الى إمكان الالتزام بنفي الاستحباب شرعاً بما ذكرناه من افتراض أن تكون مبادئ المباحات الواقعية أهم من مبادئ المستحبات الواقعية.

وقد يقال: إنَّ حُسن الاحتياط عقلاً لا يمكن نفيه، وإذا كان ثابتاً فهو ينافي جريان البراءة فيكون مانعاً من جريانها.

وجوابه: أنَّ الوجه المتقدم لعدم شمول البراءة الشرعية للمستحبات مبني على دعوى المنافاة بين جريان البراءة في المستحبات وبين استحباب الاحتياط، لأنَّ الأول يدل على رفع الاستحباب المشكوك في الظاهر والثاني يقتضي وضع الاحتياط في الظاهر، وحيث أنَّ الثاني ثابت حتماً فلا تجري البراءة، ومن الواضح أنَّ هذا إنما يكون مقبولاً في الاستحباب الشرعي للاحتياط كحكم طريقي ظاهري المستلزم لوضع الحكم الواقعي المشكوك في الظاهر، وإما الاستحباب العقلي للاحتياط بمعنى حسنه عقلاً فلا مجال لتفسيره بذلك حتى يكون منافياً للبراءة، وذلك لأنَّ الوضع الظاهري للحكم المشكوك والرفع الظاهري له من شؤون الشارع لأنَّ الأحكام أمور اعتبارية اعتبرها الشارع فيكون وضعها واقعاً وظاهراً ورفعها كذلك بيد الشارع ولا تكون لغيره، وعليه فلا يكون حُسن الاحتياط عقلاً مانعاً من جريان البراءة.

وأما ما ذكره قده من توجيه جريان البراءة في التكاليف الاستحبابية الضمنية وأنَّ الغرض منه هو نفي الاشتراط، وأثر ذلك هو تمكن المكلف من الاتيان بالباقي بقصد امتثال الامر، فالظاهر أنَّ مقصود منه هو إثبات جواز الاتيان بالباقي بقصد الأمر، ويكون هذا بتوسط الإطلاق، بمعنى أننا نجري البراءة لننفي القيد أو الجزء المحتمل في المستحب، وبذلك يثبت إطلاق دليل المستحب وعدم تقيُّده بالمحتمل، وبذلك يثبت الأمر بالباقي، فيتمكن من الاتيان بالباقي بقصد امتثال الأمر.

ويلاحظ عليه: أنَّ إثبات الاطلاق بجريان البراءة عن القيد مبني على مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، وفيه كلام وسيأتي تفصيله في البحث الآتي، وحاصله:

بنى المحقق النائيني والسيد الخوئي قدس سرهما هذه المسألة على مسألة أنَّ الاطلاق هل هو أمر عدمي وهو عبارة عن عدم القيد أم هو أمر وجودي مضاد للتقييد، فعلى الأول يمكن إثبات الاطلاق بإجراء البراءة لنفي القيد، وعلى الثاني لا يمكن ذلك إلا بناءً على القول بالأصل المثبت،

ولكن الصحيح إنَّ هذا الكلام إنما يتم إذا كان النافي للقيد أصلاً ناظراً الى الواقع ونافياً لوجود القيد في عالم الجعل، كما قد يدعى ذلك بالنسبة الى الاستصحاب، فإنه حينئذٍ يتجه التفصيل بين ما إذا كان الاطلاق عبارة عن عدم القيد فيثبت باستصحاب عدم التقييد لأنَّ لسانه لسان إبقاء الواقع السابق، أي عدم التقييد فيثبت عدم التقييد ظاهراً وهو معنى الاطلاق، وبين ما إذا كان أمراً وجودياً فلا يثبت إلا بناءً على الأصل المثبت، وأما إذا كان الأصل النافي لا نظر له الى الواقع وعالم الجعل أصلاً كأصالة البراءة ومفادها نفي القيد ظاهراً عند الشك في ثبوته واقعاً لا نفيه واقعاً وهو يرجع الى نفي وجوب الاحتياط، فلا يصح هذا التفصيل، بل يتعين القول بعدم إمكان إثبات الاطلاق بإجراء البراءة عن القيد حتى إذا قلنا أنَّ الاطلاق عبارة عن عدم القيد، وذلك لأنَّ هذا الأصل ليس ناظراً الى الواقع حتى يثبت بنفيه القيد واقعاً الاطلاق الذي هو في مقابل التقييد في الواقع وعالم الجعل.

النتيجة:

والمتحصل مما تقدم هو عدم جريان البراءة في المستحبات لقصور في أدلة البراءة بالنكتة المتقدمة.

هذا تمام الكلام في بحث أصالة البراءة مع تنبيهاتها.