45/05/21
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الرابع
ضابط جريان البراءة بنظر المحقق الخراساني:
ذكر المحقق الخراساني في التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة مطلباً يُفهم منه الضابط في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية، وحاصله:
إنَّ الميزان في الشبهات الموضوعية التحريمية هو تعدد الحكم وانحلاله في مقابل وحدة الحكم وعدم انحلاله، فتجري البراءة في الأول دون الثاني الذي يكون من موارد أصالة الاشتغال.
وطبق ذلك على النهي وذكر أنَّ النهي إذا كان بمعنى طلب ترك الشيء في زمان أو مكان فيكون الحكم واحداً وعند الشك لا بد من إجراء قاعدة الاشتغال، وإن كان المقصود منه هو طلب ترك كل فرد من أفراد الشيء فيتعدد الحكم والأصل جاري عند الشك هو البراءة، وتوضيحه ذلك:
إنَّ الطبيعة التي تعلق بها النهي تُلحظ تارة بنحو صرف الوجود، وأخرى بنحو الطبيعة السارية بمعنى لحاظ كل فرد فرد من أفراد تلك الطبيعة، ولازم الأول هو أنَّ النهي له إطاعة واحدة وعصيان واحد، والإطاعة تحصل بترك جميع أفراد الطبيعة، والمعصية يكفي في تحققها إيجاد فرد واحد من أفراد الطبيعة.
وأما الثاني فيتعدد فيه الاطاعة والعصيان بعدد أفراد تلك الطبيعة، فإذا فرضنا أنَّ المكلف جاء بفرد من أفراد الطبيعة وترك فرداً آخر فيكون عاصياً في الأول ومطيعاً في الثاني، والسر في هذا التفريق هو أنَّ التكليف الذي يتعلق بالطبيعة بنحو صرف الوجود هو تكليف واحد له موضوع واحد فلا محالة تكون له إطاعة واحدة وعصيان واحد، بخلاف الطبيعة المنهي عنها بما هي سارية في الأفراد فإنَّ النهي عنها يتعدد الى تكاليف بعدد تلك الأفراد، ويكون لكل فرد منها إطاعة وعصيان مختص به.
ومن هنا يظهر أنَّ الشك في محل الكلام – وهو الشبهة الموضوعية التحريمية – في فردية شيء لهذه الطبيعة، فعلى الأول يكون المرجع هو أصالة الاشتغال، لأنَّ الشك ليس في التكليف ولا في الموضوع بل هما معلومان وإنما الشك في أنَّ الاتيان بهذا الفرد المشتبه هل هو معصية للنهي أو لا، فإن كان فرداً للطبيعة تحقق العصيان وإلا فلا، وحيث أنَّ النهي معلوم للمكلف وتنجَّز عليه فلا بد من الخروج عن عهدته يقيناً، ولا يحصل ذلك إلا بترك الفرد المشكوك، ولذا طبَّق المحقق الخراساني أصالة الاشتغال في هذا الفرض.
وأما على الثاني فالمرجع هو البراءة لأنَّ الشك في أنَّ هذا خمر أو لا مثلاً يستلزم الشك في ثبوت التكليف له لأنَّ التكليف هنا انحلالي يتعدد بعدد الأفراد، فالميزان عنده في جريان البراءة هو انحلال التكليف أو عدم انحلاله.
ومن هنا يظهر أنَّ إطلاق القول بالرجوع الى البراءة في الشبهة الموضوعية التحريمية - وهو مختار المحقق النائيني - ليس كما ينبغي.
الفرق بين القولين:
ويبدو أنَّ الفرق بين ما ذكره المحقق الخراساني وما ذكره المحقق النائيني في الشبهة الموضوعية هو أنَّ الميزان عند المحقق النائيني هو كون الشبهة وجوبية أو تحريمية، والبراءة إنما تجري في التحريمية دون الوجوبية، وهذا معناه أنَّ الشبهة الموضوعية التحريمية تجري فيها البراءة مطلقاً، في حين أنَّ الميزان عند المحقق الخراساني قده في الشبهة الموضوعية التحريمية هو الانحلال وعدم الانحلال فتجري في الأول دون الثاني الذي تجري فيه أصالة الاشتغال.
الملاحظة على مختار المحقق الخراساني:
ويلاحظ عليه بما لاحظناه على كلام المحقق النائيني فإنَّ البراءة تجري حتى مع افتراض وحدة الحكم وعدم انحلاله فلا يصح جعله ميزاناً، كما في العام المجموعي إذا كان متعلقاً للنهي، كما إذا قال: (لا تكرم مجموع الفساق) فإنَّ الحكم واحد وموضوعه واحد ومع ذلك تجري البراءة إذا شك بنحو الشبهة الموضوعية في كون شخص ما فاسقاً بناءً على أنَّ جريان البراءة لا يختص بما إذا كان الشك في أصل التكليف أو في زيادته وسعته، بل يشمل ما إذا كان الشك في سعة دائرة التحريك المولوي وتحميل المسؤولية، وفي المقام لا إشكال في أنَّ هذا الفرد إذا كان مصداقاً للحرام وفرداً من المجموع فالتحريك المولوي نحو الترك بالنسبة إليه موجود لأنَّ الاتيان به على هذا التقدير يساوق عدم امتثال في المجموع فالشك في كونه فرداً منه يعني الشك في وجود التحريك المولوي نحو الترك بالنسبة إليه والزام المكلف به فتجري البراءة عن هذه المسؤولية.
المختار:
فالميزان هو أن يكون الشك في الموضوع مستلزماً للشك في التكليف أو في سعته وضيقه أو في سعة دائرة محركيته وعدمها، من دون فرق بين النواهي والأوامر، وفي غير ذلك تجري قاعدة الاشتغال.