الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الثالث

كان الكلام في منع شمول القاعدة وأخبار (من بلغ) لنقل فضائل أهل البيت عليهم السلام بخبر ضعيف، وتوهم الشمول مبني على دعوى الملازمة بين الإخبار عن فضائلهم وبين الاخبار عن استحباب العمل المتعلق بها وهو نشرها وإذاعتها، فيثبت استحباب نشر فضائل أهل البيت إذا نُقلت إلينا بخبر ضعيف، فكأنَّ أخبار (من بلغ) تشمل هذا النقل بلحاظ مدلوله الالتزامي.

وأما وجه المنع فهو أنَّ الشمول إنما يُتصور في فرض قيام خبر ضعيف على استحباب نقل فضائلهم ومصائبهم وترتب الثواب عليه ولا يكفي أن ينقل الفضيلة فقط، أما الأول فالأخبار تشمله ويصدق بلوغ الثواب على هذا النقل، ويثبت على بعض الاحتمالات استحباب هذا النقل حتى إذا لم تثبت بدليل معتبر.

إلا أنَّ هذا الفرض ليس له واقع ولا يوجد مثل هذا الدليل، وإنما الموجود هو الأخبار الدالة على استحباب نشر فضائلهم فإذا ثبت هذا الدليل وأحرزنا أنَّ هذه فضيلة ثبت استحباب نشرها، وأما إذا شككنا في تحقق الموضوع وأنَّ هذه هل هي فضيلة أو لا فلا مجال للتمسك بهذا الدليل لإثبات استحباب نشرها لأنه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية لذلك الدليل، وهو غير جائز بلا إشكال.

والحاصل إنَّ الفضائل المنقولة بأخبار ضعيفة لا يمكن إثبات استحباب نقلها إلا إذا قام خبر معتبر على استحباب نقل فضائلهم وإن لم تكن ثابتة في الواقع ولا يوجد عندنا مثل ذلك.

وقد يقال في مقام تقريب الشمول ببيان آخر وهو إنَّ تطبيق القاعدة على الدليل الدال على نفس الفضيلة باعتبار أنه إخبار بالالتزام عن استحباب نقلها، فتشمله الأخبار باعتبار مدلوله الالتزامي.

وفيه ما تقدم من أنَّ الإخبار عن الموضوع ليس إخباراً عن الحكم المترتب عليه شرعاً، فالإخبار عن أنَّ هذا مسجد ليس إخباراً عن استحباب الصلاة فيه، والإخبار عن أنَّ هذه فضيلة ليس إخباراً عن استحباب نشرها ونقلها، لا بالمطابقة ولا بالالتزام، أما الأول فواضح وأما الثاني فلعدم الملازمة بينهما حتى يكون الإخبار عن أحدهما إخباراً عن الآخر، والملازمة الشرعية على تقديرها لا تصحح صدق الإخبار عن اللازم.

التنبيه الرابع: لوحظ أنَّ المشهور الذي استفاد الاستحباب النفسي للعمل بعنوان البلوغ يفتي بالاستحباب مطلقاً اعتماداً على الاحتمال الثاني.

وفيه إشكال وذلك باعتبار أنَّ هذا الاستحباب إنما ثبت لمن بلغه الثواب على العمل وهو هنا الفقيه فكيف يصح الإفتاء للعامي بالاستحباب مع أنه لم يبلغه الثواب على ذلك العمل؟!

ومن الواضح أنَّ هذا الاشكال غير وارد في الإفتاء بالاستحباب على نهج القضية الحقيقية، فلو فرضنا أنَّ المشهور أفتى باستحباب العمل الذي بلغك عليه الثواب فلا إشكال في ذلك، وهو إفتاء بنفس مضمون القاعدة، وإنما الاشكال في الإفتاء باستحباب العمل مطلقاً، أي في حق الجميع ولو لم يبلغهم الثواب عليه، كما يفتي باستحباب صلاة الليل إذا قام عليه دليل معتبر.

ثم إنَّ الاشكال على ما ذكروه إنما يتوجه بناءً على استفادة الاستحباب النفسي للعمل بعنوان البلوغ، وأما بناءً على الاحتمال الثالث فلا إشكال في الإفتاء بالاستحباب مطلقاً لأنه إذا قام عند الفقيه الخبر الضعيف على الاستحباب ثبتت عنده الحجة على الاستحباب – بحسب الاحتمال الثالث - كما لو قام عنده خبر صحيح على استحباب ذلك العمل.

ولكن قد يُستشكل في ذلك ويدعى ورود الاشكال على كِلا الاحتمالين لأنَّ الحجية على الاحتمال الثالث للخبر الضعيف في باب المستحبات تثبت بعنوان البلوغ أيضاً، فإنه مأخوذ في الأخبار، فتكون الحجية مقيدة بالبلوغ كالاستحباب، فالإشكال وارد عليهم على الاحتمالين.

أقول هذا الكلام إنما يتم إذا قلنا أنَّ البلوغ هو حيثية تقييدية لما ثبتت له الحجية، وهو الخبر الضعيف، وأما إذا قلنا إنه حيثية تعليلية وأنه من قبيل (اعمل بهذا الخبر لأنه خبر الثقة) فإنَّ الوثاقة هنا حيثية تعليلية، والحجية تثبت لذات الخبر ولكن بعلة كون المخبر ثقة، وليست الوثاقة حيثية تقييدية وإنما هي واسطة في ثبوت الحجية لذات الخبر.