الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة/تنبيهات البراءة/التنبيه الثالث

 

تتمة البحث في (محمد بن مروان):

كان الكلام في روايات (من بلغ) وقلنا أنَّ المقيدات فيها أربعة، لكنها غير تامة سنداً والمعتبرة هي المطلقات فقط.

ومن الروايات التي ذكر فيها التقييد رواية (المحاسن) وكان في سندها محمد بن مروان، وقلنا أنه مشترك بين جماعة ذكرنا منهم أربعة، وكان الأخير هو محمد بن مروان الحناط، وقلنا أنَّ النجاشي ذكره وثقه، وذكر أنه له كتاب، وذكر طريقه اليه، نعم لم تذكر طبقته حتى يمكن تحديد إطباقه على الراوي في رواية المحاسن، ولكن يمكن أن نستكشف طبقته من جهة أخرى فإنّ في طريق النجاشي إليه وقع أحمد بن محمد بن سعيد وهو ابن عقدة ، وهو يروي عن محمد بن مروان الحناط بواسطتين في سند النجاشي، وابن عقدة من مشايخ الشيخ الكليني، والكليني كثيراً ما يروي عن أصحاب الصادق عليه السلام بثلاثة وسائط، وهذا يعني أنَّ محمد بن مروان الحناط الذي يروي عنه بن عقدة بواسطتين يمكن أن يكون من أصحاب الصادق عليه السلام، فيمكن أن يكون هو المراد في رواية المحاسن لأنه يروي عن أبي عبد الله عليه السلام.

والخامس من العناوين المشتركة هو محمد بن مروان العجلي، له رواية في الكافي يروي فيها عن علي بن حنظلة الكوفي العجلي من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام.

هؤلاء هم الذين يتردد بينهم محمد بن مروان في الرواية محل الكلام، ولا نص على توثيق واحد منهم عدا الحناط، نعم الأول وهو محمد بن مروان الذهلي وثقه السيد الخوئي قده لوقوعه في اسانيد كامل الزيارات إلا أنه ليس ممن روى عليه بن قولويه مباشرة.

نعم (محمد بن مروان) بهذا العنوان روى عنه ابن أبي عمير وصفوان، ولكن الطريق الذي ذُكر غير واضح الصحة حتى يمكن الاعتماد عليه من جهة روايتهما عنه، وعلى تقدير صحته لا يمكن تحديد المراد به وبالتالي تحديد أنه محمد بن مروان الموجود في رواياتنا.

بل يحتمل فيه شخص سادس بعنوان (محمد بن مروان) وهو من أصحاب الهادي عليه السلام، ويمكن أن يكون هو الذي يروي عنه إبن أبي عمير، ولكن هذا على تقدير القول أنَّ إبن أبي عمير يمكن أن يروي عن أصحاب الصادق عليه السلام كما هو المختار، إلا أنَّ آخرين لا يقبلون ذلك ويحتملون وقوع الإرسال في روايته عن أصحاب الامام الصادق عليه السلام.

فالظاهر أنه لا دليل واضح على توثيق محمد بن مروان في محل الكلام.

الرواية الثانية من الروايات المقيدة هي رواية الكافي، وهي في الوسائل الحديث 7 من الباب 18 من أبواب مقدمات العبادات:

(وعن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن عمران الزعفراني ، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه ، وإن لم يكن الحديث كما بلغه.)[1]

وفي سندها عن محمّد بن سنان وهو محل كلام، ولم تثبت عندنا وثاقته، وعمران الزعفراني وهو مجهول، ومحمّد بن مروان الذي تقدم الكلام عنه، فالرواية فيها أكثر من مشكلة.

وعليه فلا وجود للمقيدات – بمعنى المصرحة بالتقييد - في المعتبر من هذه الروايات، بل المعتبر منها مطلق لكنك عرفتَ أنَّ التقييد موجود في هذه المطلقات أيضاً لأنه المستفاد من فاء التفريع الموجود في المعتبر من هذه الأخبار وغيرها، وعليه يستحكم الاشكال على الاستدلال على الاحتمال الثاني، وذلك لأنَّ جميع الروايات تجعل الثواب على الحصة الانقيادية من العمل الذي ينتج استحباب الانقياد، وهذا لا ينفع في استحباب ذات العمل كما هو مقتضى الاحتمال الثاني.

نعم إذا لم يتم ما ذكرنا فلا مجال لحمل المطلق على المقيد بأحد الملاكات الثلاثة المتقدمة لعدم وجود المقيد في هذه الأخبار، وعليه يرتفع الاشكال ويتم الاستدلال بالأخبار على الاحتمال الثاني، لأنَّ الأخبار المعتبرة على هذا التقدير تُرتب الثواب على ذات العمل وبالملازمة يثبت استحباب العمل وهو المطلوب على الاحتمال الثاني.

***

تتميم الكلام في التنبيه الثاني من تنبيهات قاعدة التسامح في أدلة السنن

التنبيه الثاني: لا إشكال في شمول الأخبار لحالة بلوغ الثواب بالخبر الحسي، وهل تشمل الإخبار عن ترتب الثواب عن حدس، كما إذا أفتى الفقيه باستحباب فعلٍ، فإنه يُخبر بذلك عن ترتب الثواب على الفعل باعتبار الملازمة بن استحباب العمل وترتب الثواب عليه، غايته أنَّ هذه الملازمة هي بين الإخبار الحدسي عن الاستحباب وبين ترتب الثواب عليه.

ذكر السيد الخوئي قده أنه لا يبعد القول بالشمول وأنَّ دعوى انصراف الأخبار عن الإخبار الحدسي بعيدة جداً.

والذي يمكن أن يقال في المقام هو أنَّ ما ذكره يبتني على أمرين:

الأول أنَّ البلوغ المتحقق بالإخبار لا يختص بالإخبار عن حس وإنما يشمل الإخبار عن حدس.

الثاني أنَّ معنى فتوى الفقيه بالاستحباب هو الإخبار حدساً عن الاستحباب، وأما إذا كانت تعني الإخبار عن رأيه ونظره فلا تشمله الأخبار لأنه لم يخبر عن الاستحباب والثواب بل عن نظره ورأيه، ومن الواضح أنه لا يلازم الاخبار عن الاستحباب وترتب الثواب.

ويمكن أن يناقش في كِلا الأمرين:

أما الأمر الأول فيمكن التأمل فيه من جهة أنَّ البلوغ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستبطن النقل عنه حتى يصدق البلوغ في حق المنقول إليه، وظاهر النقل أنه عن حس إذا كان المنقول من الحسيات، بل قالوا أنَّ بناء العقلاء على ذلك وعليه جرت السيرة، ولا يُعتنى باحتمال النقل عن حدس إلا مع القرينة، خصوصاً مع قوله عليه السلام في بعض هذه الروايات (وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يقله) إذ يُفهم منه أنَّ المنقول هو قول الرسول وأنه نقله عن حس، فمن هنا نقول من الصعوبة بمكان أن نقول بصدق البلوغ على الخبر الحدسي كما يصدق على نقل الخبر الحسي.

وأما الأمر الثاني فقيل أنه مبني على أنَّ الفقيه يُخبر عن الاستحباب حدساً ومعه يصدق البلوغ للملازمة بين الاستحباب وبين ترتب الثواب على العمل، فيثبت استحباب ذات العمل بناءً على الاحتمال الثاني، وأما إذا كانت الفتوى إخبار الفقيه عن رأيه فلا يصح ما ذكره، هكذا قيل.

وفيه: أنَّ إخبار الفقيه عن نظره ورأيه إخبار أيضاً عن الاستحباب كحكم شرعي واقعي أدى إليه نظره لأنه يُخبر عن أنَّ رأيه هو أنَّ حكم هذا العمل هو الاستحباب فهو إخبار حدسي عن الاستحباب.

فالمهم في المناقشة هو منع المقدمة الأولى فإن تمت تم كلامه.

التنبيه الثالث: ذكر السيد الخوئي قده في الدراسات[2] عدم شمول الأخبار لموردين:

الأول الشبهات الموضوعية كما إذا دلَّ خبر ضعيف على كون مكان خاص مسجداً، فإنه لا يثبت بذلك استحباب الصلاة فيه، وعلل ذلك بأنَّ البلوغ المذكور في الأخبار ظاهر في اختصاصه بما يكون بيانه من وظيفة الشارع، وبيان الموضوعات ليست كذلك.

أقول: لا مجال لتوهم الشمول للشبهات الموضوعية لأنَّ موضوع هذه الأخبار هو بلوغ الثواب على عمل بالمطابقة أو الالتزام، وهو غير متحقق في الشبهات الموضوعية، لوضوح أنَّ الإخبار فيها ليس إخبار عن ترتب الثواب لا بالمطابقة ولا بالالتزام، إما عدم المطابقة فواضح وأما عدم الالتزام فلأنَّ مفاده تحقق موضوع الدليل الدال على استحباب الصلاة في المسجد، فالاستحباب وترتب الثواب على الصلاة فيه يثبت بدليله بعد احراز موضوعه لا بهذا الخبر الذي قد لا يكون ناظراً الى الاستحباب ولا الى ترتب الثواب على الصلاة فيه.

المورد الثاني: نقل فضائل أهل البيت عليهم الصلاة السلام ومصائبهم بخبر ضعيف، بدعوى أنَّ الإخبار بفضائلهم هو إخبار بملازمة عن استحباب العمل المتعلق بها وهو نشرها ونقلها، ولازمه ترتب الثواب على هذا النقل، فيمكن القول بلغني ثواب على نقل هذه الفضيلة، فتكون أخبار من بلغ شاملة لهذا المورد، فيثبت استحباب النقل بمقتضى الاحتمال الثاني.

هذا هو توهم الشمول لهذا المورد وسيأتي عن السيد الخوئي قده دفعه.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص60، أبواب مقدمة العبادات، باب18، ح7، ط الإسلامية.
[2] دراسات في علم الأصول، الشاهرودي، ج3 ص309.