الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الثالث

تنبيهات قاعدة التسامح في أدلة السنن:

التنبيه الأول: لا إشكال في شمول الأخبار لحالة البلوغ بالدلالة المطابقية كما إذا قام خبر ضعيف على ترتب الثواب على عمل، وإنما الكلام في شمول الأخبار لحالة البلوغ بالدلالة الالتزامية كما لو قام الخبر على استحباب شيء فيكون دالاً بالالتزام على ترتب الثواب عليه.

الظاهر إنه لا كلام عندهم في شمول الأخبار لذلك باعتبار أنَّ الإخبار باستحباب شيء هو أخبار بترتب الثواب عليه للملازمة بين الاستحباب وبين ترتب الثواب، فيصدق البلوغ، هذا أولاً

وثانياً هل تشمل الأخبار حالة قيام الخبر الضعيف على الوجوب؟

قد يقال إنها تشمله ولا تختص بالخبر الدال على الثواب أو على الاستحباب، ذهب الى ذلك السيد الخوئي قده في الدراسات[1] ، ووجَّهه بأنَّ الأخبار عن الوجوب إخبار عن ترتب الثواب على العمل أيضاً، وذلك باعتبار الملازمة بين وجوب الشيء وبين رجحانه وترتب الثواب على فعله، غاية الأمر إنَّ الاخبار عن الوجوب إخبار عن ترتب العقاب على تركه إلا أنّ هذا الجانب غير داخل في القاعدة، وأما الإخبار عن الثواب فلا مانع من شمول القاعدة له لكونه إخباراً عن الثواب.

وبهذا يثبت استحباب العمل بناءً على الاحتمال الثاني، ثم يقول ولعله لذلك أفتى الفقهاء باستحباب العمل إذا قام على وجوبه خبر ضعيف.

ويلاحظ عليه: إنَّ ظاهر الأخبار كما تقدم هو الاتيان بالعمل بداعي تحصيل الثواب الذي بلغه باعتبار أنَّ العمل في هذه الأخبار متفرع على بلوغ الثواب، وهذا ظاهر في أنَّ البلوغ وما يورثه من احتمال الثواب أو الظن به هو السبب والداعي للإتيان بالعمل، وحينئذٍ يقال إنَّ هذا المعنى لا يصدق إلا في المستحبات، وأما الواجبات فالداعي للإتيان بها عادةً هو الفرار من العقاب، وعلى تقدير أن يكون تحصيل الثواب داعياً أيضاً للإتيان بالواجب فهو قطعاً ليس مستقلاً في الداعوية وإنما ينضم إليه الى الفرار العقاب، ومن هنا تكون الأخبار غير شاملة لقيام الخبر الضعيف على الوجوب، ومن هنا نستشكل في شمول الأخبار للخبر الضعيف الدال على الوجوب.

ومنه يظهر حكم حالة ثالثة وهي ما إذا قام الخبر الضعيف على الحرمة، فإنَّ الامتثال فيها لا يكون بداعي تحصيل الثواب بل بداعي الفرار عن العقاب على الفعل، ولو فرض كونه – أي تحصيل الثواب - داعياً فهو ليس مستقلاً بالداعوية، بل عدم استقلاله هنا يكون أوضح من الواجبات، هذا إذا سلَّمنا صدق البلوغ على الحرمة، باعتبار أنَّ مفاد النهي هو طلب الترك ورجحانه على الفعل ويدعى أنه ملازم لترتب الثواب عليه، فيصدق بلوغ الثواب على الترك.

ويلاحظ عليه: أنَّ طلب الترك في المحرمات لو سُلَّم ليس لأجل وجود مصلحة في الترك توجب رجحانه بل لأجل وجود مرجوحية ومبغوضية في الفعل باعتبار وجود مفسدة فيه، فطلب الترك في المحرمات إنما هو لوجود مفسدة في الفعل لا لمصلحة في الترك حتى يفهم منه رجحان الترك بنحو يستلزم ترتب الثواب عليه وبالتالي يصدق بلوغ الثواب على الترك، بل ويلزم منه استفادة الوجوب من كل حرمة وهذا مما لم يقل به أحد.

هذا مضافاً الى ما سيأتي من أنَّ المذكور في الأخبار هو بلوغ الثواب على العمل وهو ظاهر في الأمر الوجودي، بقرينة قوله (فعمله) فلا يشمل بلوغ الثواب على الترك.

ويبقى الكلام عن حالة رابعة وهي حالة قيام الخبر الضعيف على الكراهة، والظاهر عدم شمول أخبار (من بلغ) لهذه الحالة لما تقدم من أنَّ موضوع الأخبار هو بلوغ الثواب على العمل الظاهر في الأمر الوجودي فلا يشمل بلوغ الثواب على الترك سواءً كان بمستوى الحرمة أو الكراهة، مضافاً الى ما تقدم أيضاً من عدم صدق بلوغ الثواب فيها، لأنَّ طلب الترك فيها ليس لأجل مصلحة في الترك وإنما هو لأجل حزازة في الفعل.

التنبيه الثاني: لا إشكال في شمول الأخبار لحالة بلوغ الثواب بالخبر الحسي، فهل تشمل الإخبار عن ترتب الثواب عن حدس، كما إذا أفتى الفقيه باستحباب فعلٍ، فإنه يُخبر بذلك عن ترتب الثواب على الفعل باعتبار الملازمة، غايته أنَّ هذه الملازمة هي بين الإخبار الحدسي عن الاستحباب وبين ترتب الثواب عليه؟

ذكر السيد الخوئي قده أنه لا يبعد القول بالشمول وأنَّ دعوى انصراف الأخبار عن الإخبار الحدسي بعيدة جداً[2] .

والذي يمكن أن يقال في المقام هو أنَّ ما ذكره يبتني على أمرين:

الأول أنَّ البلوغ المتحقق بالإخبار لا يختص بالإخبار عن حس وإنما يشمل الإخبار عن حدس.

الثاني أنَّ معنى فتوى الفقيه بالاستحباب هو الإخبار حدساً عن الاستحباب، وهذا في قبال أنَّ يقال إنَّ الفتوى بالاستحباب هي إخبار عن رأي الفقيه.

وإذا تم هذان الأمران أمكن تتميم كلامه، إلا أنه يمكن التأمل في كلا الأمرين.


[1] دراسات في علم الأصول، الشاهرودي، ج3 ص308.
[2] المصدر السابق 309.