45/05/05
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة/تنبيهات البراءة/التنبيه الثالث
الكلام في الاحتمال الثاني القائل بأنَّ المستفاد من الأخبار هو استحباب العمل بعنوان البلوغ، واستدل له بالملازمة بين ترتب الثواب على عمل وبين استحباب ذلك العمل.
وقلنا إنّ هذا الاعتراض تام، فيندفع الجواب ويستحكم الاشكال، فلا يتم الاستدلال على الاحتمال الثاني.
وقد استقربنا ذلك وقلنا إنَّ الملاك الأول من ملاكات التعارض الموجب لحمل المطلق على المقيد وهو وحدة الحكم متحقق في محل الكلام، فيستحكم الاشكال أيضاً.
ومن هنا يظهر أنَّ هذين الاعتراضين هما في الواقع اعتراضان على أصل الاستدلال بالملازمة على الاحتمال الثاني، وتحكيم للإشكال المتقدم.
وهذان الوجهان لاستكشاف الأمر والاستحباب من ترتيب الثواب على العمل لا يجريان في محل الكلام، أما الوجه الأول فباعتبار أنَّ العمل في محل الكلام مما يقتضي الثواب، فإنه عمل أُتي به بداعي رجاء الثواب، ومعه لا حاجة الى استكشاف الأمر.
وأما الوجه الثاني فنمنع من ظهور الدليل في محل الكلام في أن يكون في مقام الترغيب والحث على الاتيان بالعمل، بل الظاهر منه هو أنه في مقام بيان التفضل والإحسان الى العبد وأنّ المولى لا يُخيب رجاء من رجاه.
والنتيجة إنَّ الاستدلال بالملازمة على الاحتمال الثاني غير تام.
ويظهر مما تقدم أنَّ هذا الاعتراض غير تام، بخلاف الاعتراضين الأول والثاني المتقدمين، وبالتالي يكون الدليل المُستدل به على الاحتمال الثاني غير تام.
النتيجة:
نعم تقدم أنَّ ظاهر الأخبار إعطاء نفس الثواب الذي بلغه كماً وكيفاً، وقلنا إنه مما لا يدركه العقل وإن أدرك استحباب أصل الثواب، وعليه فلا بد من تطعيم الاحتمال الأول بالاحتمال لرابع فيكون إعطاء نفس الثواب كماً وكيفاً الذي بلغه من باب الوعد الإلهي.
هذا كله على تقدير تسليم أنَّ الأخبار فيها ما هو مطلق وما هو مقيد، ومن هنا لا بد من النظر في الروايات التي يمكن الاستناد إليها لمعرفة ما تدل عليه، فنقول:
(وعن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي (صلى الله عليه وآله) كان له ذلك الثواب ، وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يقله.)[1]
وسندها لا بأس به باستثناء محمد بن مروان، فإنه مشترك، وأما باقي رجال السند فهم أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب (المحاسن) عن أبيه، عن أحمد بن النضر - وهو الخزاز ثقة منصوص على وثاقته
وأما محمد بن مروان الذي يروي عن الأمام الصادق في هذه الرواية فهو مشترك بين جماعة في هذه الطبقة:
1. محمد بن مروان الذهلي، عده الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام، وقال: أسند عنه، مات سنة 161 وله 83 سنة، وقال في الفهرست: (له كتاب أخبرنا جماعة عن ... عنه)
2. محمد بن مروان البصري، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام.
3. محمد بن مروان بن عثمان المدني، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام.
4. محمد بن مروان الحناط، ذكره النجاشي ووثقه وذكر أنّ له كتاب وذكر طريقه إليه، ولم تتضح طبقته، لكن في طريق النجاشي إليه وقع أحمد بن محمد بن سعيد، وهو بن عقدة المعروف الثقة، وهو يروي عن محمد بن مروان بواسطتين في هذا السند.