45/05/03
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الثالث
كان الكلام في الاعتراض الثاني على الاستدلال بأخبار (من بلغ) على الاستحباب، وكان حاصله هو لا بد من تقييد الأخبار المطلقة بالأخبار المقيدة بقطع النظر عن فاء التفريع، والوجه في ذلك هو أنَّ هناك ثلاثة ملاكات لحمل المطلق على المقيد فهل هي متحققة كُلاً أو بعضاً في محل الكلام أم لا ، وهذه الملاكات هي:
نعم إذا تعدد الحكم فلا تعارض، ولا ضير في وجود حكمين أحدهما موضوعه مطلق الطبيعة والآخر موضوعه الطبيعة المقيدة، فمتى ما أحرزنا تعدد الحكم أو احتملنا ذلك فلا يمكن الحكم بالتعارض، لأنَّ التعارض متفرع على إحراز وحدة الحكم.
التقريب الأول: أن يقال في مثل (أعتق رقبة) و (أعتق رقبة عند الظهار) أنَّ مقتضى المقيد هو لزوم العتق عند الظهار وعدم جواز تركه، في حين أنَّ مقتضى إطلاق المطلق هو جواز ترك العتق عند الظهار وامتثال العتق في غير حالة الظهار، ومن الواضح أنه مع فرض وحدة الحكم لا يجتمع لزوم العتق عند الظهار مع جواز تركه عند الظهار، وهذا التنافي ناشئ من وحدة الحكم لأنَّ المقيد لا مفهوم له بحسب الفرض.
التقريب الثاني: أن يقال إنّ إطلاق متعلق الحكم – أي العتق - في المطلق يقتضي جواز الاكتفاء بغير المقيد في مقام الامتثال، فإذا جاء به يتحقق الامتثال كما يتحقق الغرض منه، في حين أنَّ تقييد متعلق الحكم في المقيد يقتضي عدم جواز الاكتفاء بغير المقيد، وهذا تنافٍ وتكاذب بينهما، فمجرد افتراض وحدة الحكم كافٍ في وقوع التنافي.
وبهذا يثبت أنَّ الملاك الأول للتنافي بين المطلق والمقيد الموجب لتقييد المطلق هو وحدة الحكم.
ولا مجال لحمل المطلق على المقيد مع انتفاء هذه الملاكات الثلاثة كما إذا فرضنا تعدد الحكم وعدم المفهوم وقلنا بعدم استحالة الحكمين المتماثلين على موضوعين بينهما عموم مطلق، فإنه حينئذٍ لا تعارض ولا موجب لحمل المطلق على المقيد، بل يؤخذ بكلا الدليلين ويلتزم بوجود حكمين موضوع أحدهما المطلق وموضوع الآخر المقيد.
وحينئذٍ يقع البحث صغروياً أي أنَّ روايات (من بلغ) هل يوجد فيها أحد هذه الملاكات الثلاثة أو لا؟