الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الثالث

 

خلاصة ما ذكره المحقق الأصفهاني في جوابه عن الاعتراض الذي ذكره الشيخ الأنصاري هو أنَّ التفريع على نحوين: أحدهما تفريع الشيء على داعيه.

والآخر الترتب الصرف بينهما، ومن دون أن يكون الثاني داعياً للأول.

والثاني محتمل في محل الكلام فلا يمكن أن نثبت أنَّ التفريع في الرواية يُراد به تفرع الشيء على داعيه.

والحاصل: إنَّ الاعتراض مبني على افتراض أنَّ تفرع العمل على البلوغ من باب تفرع الشيء على داعيه حتى يكون البلوغ هو الداعي للعمل ويكون الثواب مترتباً على ذلك، أي على الحصة الانقيادية لا على ذات العمل حتى يستفاد منه الاستحباب، في حين أنه يحتمل أن يكون التفريع بمعنى ترتب أحدهما على الآخر نظير: سمع الأذان فبادر الى المسجد، وفي المقام يحتمل فيه ذلك باعتبار ترتب العمل على بلوغ الثواب لتقوم العمل المترتب عليه الثواب ببلوغ الثواب، وعليه فمجرد كون الفاء للتفريع لا يُعين الأول بل يحتمل الثاني، ومعه يمكن إثبات الاستحباب بما تقدم مما ذكره صاحب الكفاية من أنَّ الثواب المُعطى هو نفس الثواب الذي بلغه، وحيث أنَّ الذي بلغه هو ثواب على العمل فالثواب الذي يُعطى هو ثواب على العمل، فيمكن إثبات الاستحباب بالملازمة المتقدمة.

ويلاحظ عليه: إنَّ التفريع وإن كان يقع على نحوين كما ذكر لكن الظاهر منه هنا هو الأول – أي تفرع الشيء على داعيه – لأنَّ التفريع على ما يصلح أن يكون داعياً بنفسه ظاهر في أنَّ الداعي للعمل هو هذا، كما في قولك: أمرني بكذا ففعلته، أو نهاني عن كذا فتركته، فإنَّ الظاهر منه هو أنَّ الأمر في الأول هو الداعي الى الفعل، والنهي في الثاني هو الداعي الى الترك، وما نحن فيه من هذا القبيل فإنَّ البلوغ يصلح أن يكون داعياً للعمل، والظاهر من التعبير هو الأول، أي أنه من باب تفرع الشيء على داعيه كما ذكر الشيخ الأنصاري.

ومنه يظهر الفرق بين المقام وبين قولك سمع الأذان فبادر الى المسجد فإنَّ السماع لا يصح أن يكون داعياً للمبادرة الى المسجد، ولذا تتفرع المبادرة على سماع الأذان لا من باب تفرع الشيء على داعيه.

والحاصل: إنَّ المفهوم عرفاً من الأخبار هو أنَّ الداعي للعمل هو بلوغ الثواب وأن ترتبه عليه من باب ترتب الشيء على داعيه، وعليه فالظاهر أنَّ الاعتراض الأول الذي ذكره الشيخ الأنصاري تام.

الاعتراض الثاني: إنَّ الأخبار المطلقة لا بد من تقييدها برجاء الثواب من باب حمل المطلق على المقيد، بقطع النظر عما ذكر في الاعتراض الأول، وذلك تطبيقاً لقانون حمل المطليق على المقيد، فلا يصح الاستدلال بالملازمة على استحباب العمل، وإنما المستحب هو العمل المأتي به برجاء تحصيل الثواب، وهو استحباب الانقياد.

والحمل المذكور مع فرضهما مثبتين يتوقف على أحد دعاوى ثلاث:

الدعوى الأولى: وحدة الحكم في الدليلين، فيقع التعارض بين المطلق وبين المقيد، لأنَّ الحكم الواحد له موضوع واحد وهو إما المطلق أو المقيد.

وهذا الملاك لحمل المطلق على المقيد - أي وحدة الحكم - لا يُشترط فيه أن يكون للمقيَّد مفهوم، فإنَّ قواعد باب التعارض تقتضي حمل المطلق على المقيد إذا كان بين الدليلين عموم وخصوص مطلق، فلا إشكال في أنَّ المقيد يُقدم على المطلق، ونتيجة ذلك هي أنَّ الروايات كلها مقيدة بهذا القيد، فيصح كلام الشيخ الأنصاري من حيث النتيجة.

نعم مع فرض تعدد الحكم أو عدم إحراز وحدة الحكم فلا تعارض إذا لم يكن للمقيد مفهوم كما إذا كان التقييد بالوصف وقلنا أنه لا مفهوم له، وحينئذٍ لا تنافي بين ثبوت أحد الحكمين للمطلق وثبوت الآخر للمقيد، بل يكفي عدم إحراز وحدة الحكم ومع عدم احرازها لا مبرر للحمل المذكور.