الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الثالث

الاحتمال الخامس ومفاده أنَّ الاحتياط حكم ظاهري طريقي يجعل لغرض التحفظ على الملاكات غير اللزومية الموجودة في المستحبات فيؤمر بالاحتياط لحفظه.

ويلاحظ عليه إثباتاً:

أولاً: ليس في الأخبار ما يدل عليه.

ثانياً: بناء على ما ذكر لا وجه لتقييد العمل بأن يأتي به برجاء الثواب، لأنَّ الاحتياط يتحقق بمجرد الاتيان بالفعل، كما هو الحال في الشبهات الوجوبية، وحيث أنَّ التقييد وارد في الأخبار فيكون منافياً لاستظهار هذا الاحتمال منها.

وأما الاحتمال الأول - ومفاده الارشاد الى حسن الانقياد وحسن الاتيان بالعمل لاحتمال مطلوبيته - فقد أورد عليه بأنه خلاف ظاهر الخطاب الصادر من الشارع وهو صدوره منه بما هو مولى لا بما هو مرشد، ومن دون فرق بين أن يكون صادراً بلسان الأمر والطلب أو بلسان الوعد على الثواب كما في محل الكلام.

ويلاحظ على هذا الايراد إنه وإن كان صحيحاً في نفسه وأنَّ الارشاد بحاجة الى قرينة إلا أنَّ استبعاد هذا الاحتمال قبل إكمال النظر في باقي الاحتمالات ومدى إمكان إثبات بعضها على أساس القرائن ليس صحيحاً، إذ قد لا نصل الى إثبات سائر الاحتمالات لعدم القرينة أو لمخالفتها لظاهر الاخبار، وحينئذٍ تكون الأخبار مجملة لا يُعلم مفادها من هذه الجهة، وهذا الاجمال يصب في صالح الاحتمال الأول، لأنَّ مقتضاه هو عدم وجود حكم شرعي مولوي في هذه الأخبار وأنه ليس هناك إلا الحكم العقلي بحسن الانقياد، وهذه النتيجة هي التي نصل إليها على تقدير اجمال الأخبار. وهي نفس نتيجة الاحتمال الأول.

نعم، ظاهر الأخبار إعطاء نفس الثواب الذي بلغه، وهو مما لا يحكم به العقل، وإن حكم بحسن الانقياد واستحقاق أصل الثواب عليه، ولكن تحديد مقداره ونوعه فهو مما لا يدركه العقل، وهذا يعني أنَّ مفاد هذه الأخبار ليس مطابقاً مع حكم العقل حتى تكون إرشاداً إليه، فيتعين حملها على المولوية، هذا هو الاشكال على الاحتمال الأول.

وأما الاحتمال الرابع - ومفاده أنه وعد لمصلحة في نفس الوعد - فلوحظ عليه بأنَّ ظاهر الأخبار كونها بصدد الحث والترغيب على العمل الذي بلغه عليه ثواب، وليس مجرد الوعد الصرف، ومن هنا يكون مخالفاً لظاهر هذه الأخبار.

قد يقال إنّ كون مفاد الأخبار هو الوعد بالثواب لا يتنافى مع كونها بصدد الحث على العمل والترغيب فيه، إذ قد يكون الغرض من الوعد بالثواب هو ترغيب المكلف وحثه على العمل.

وجوابه إنَّ الاحتمال الرابع يراد به التفضل بالثواب باعتبار مناسبة ذلك لشأنه سبحانه وتعالى من حيث أنه لا يُخيِّب رجاء من رجاه، فلا ظهور لها في الترغيب في العمل، وهذا نظير قول القائل: من قصد داري برجاء إطعامه فله ذلك، الذي لا يُفهم منه الترغيب والحث على المجيء الى داره، ومن هنا يكون هذا الاحتمال مخالفاً لظاهر الاخبار في الترغيب على العمل والحث عليه.

وأما الاحتمال الثاني - ومفاده استحباب العمل بالعنوان الثانوي - فاستُدل له بدعوى الملازمة بين ترتب الثواب على عمل وبين استحبابه، ولذا كثيراً ما يُبين الاستحباب بلسان ترتب الثواب، كما يُبين النهي بلسان ترتب العقاب، ولم يتردد أحد من الفقهاء في استفادة الاستحباب من مثل: من سرَّح لحيته فله كذا، أو من أعان مؤمناً فله كذا.

فإذا قيل: بأنَّ هذه الأخبار لا يظهر منها ترتب الثواب على نفس العمل وإنما ترتبه على العمل المأتي به برجاء ذلك الثواب والتماساً له، فعلى تقدير تسليم الملازمة بين ترتب الثواب وبين الاستحباب لا بد أن نلتزم باستحباب الانقياد لا العمل، وهذا خلاف المدعى في الاحتمال الثاني وهو استحباب ذات العمل.

والجواب عنه: إنَّ هذا وإن كان موجوداً في الأخبار لكنه ليس موجوداً في جميع هذه الأخبار، فهناك ما يكون مطلقاً من هذه الناحية، أي أنَّ الثواب في بعض هذه الأخبار مترتب على ذات العمل، فلا يرد الاشكال المتقدم في هذه الأخبار المطلقة، فيثبت الاحتمال الثاني.

واعترض على هذا الجواب بوجوه:

الأول: أنَّ كون الثواب مترتب على العمل المقيد برجاء الثواب وبداعي احتمال الأمر لا على ذات العمل مستفاد حتى من الأخبار المطلقة وذلك باعتبار التفريع فيها (فعمله)، لأنَّ فاء التفريع ظاهرة في كون العمل متفرعاً على بلوغ الثواب، تفرُّع الشيء على داعيه، وعليه لا يمكن أن نثبت استحباب ذات العمل.