45/04/23
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الثالث
وردت روايات بعنوان من بلغ ذكرها صاحب الوسائل وعقد لها باباً مستقلاً في الباب 18 في مقدمة العبادات[1] ، وهي المدرك لهذه القاعدة، وبعضها تام سنداً، فلا إشكال في مدرك هذه القاعدة من حيث السند، وكلها بهذا المضمون: (من بلغه ثواب على عمل فعمله رجاءً لذلك الثواب كان له ذلك وإن لم يكن كما بلغه)
والكلام يقع في مفاد هذه الأخبار، وهل تستفاد هذه القاعدة منها أو لا؟
وأضاف بأنَّ الاحتمال المناسب لعنوان هذه القاعدة هو الاحتمال الثالث، فإنَّ عنوانها هو (التسامح في أدلة السنن) وهو يعني إسقاط ما يعتبر في حجية الخبر كالعدالة والوثاقة في باب المستحبات، لكنه استبعده بدعوى أنَّ لسان الحجية لا يناسبه التصريح بعدم ثبوت المؤدى أي لسان (وإن كان رسول الله لم يقله)، فإنَّ الحجية لسانها هو لسان إلغاء احتمال الخلاف ولسان المطابقة للواقع، وهذا لا يناسب التصريح بحجية الطريق وإن كان مخالفاً للواقع.
وهكذا استبعد الاحتمال الثاني لعدم دلالة هذه الأخبار على عنوان (البلوغ) وأنه يكون عنواناً ثانوياً يوجب حدوث مصلحة في الفعل توجب جعل الاستحباب له.
فيتعين الاحتمال الأول وهو الارشاد الى حكم العقل باحتمال المطلوبية، فالشارع في هذه الأخبار لم يعمل مولويته وإنما تلبس بدور المرشد الى حكم العقل، والواقع لا يتغير عما كان عليه.
وبناء على هذا الكلام لا بد من إلغاء بعض الأبحاث التي ذكروها في هذه القاعدة باعتبار تفرعها على أحد الاحتمالين الثاني والثالث، فمن ذلك:
• البحث عن أنَّ مفادها هل هو استحباب ذات العمل أو هو استحبابه إذا جاء به المكلف بعنوان الرجاء والاحتياط، وهذا متفرع على البحث الثاني.
• البحث عن ظهور الثمرة بين الاحتمال الثاني والثالث، وهو متفرع على هذين الاحتمالين.
• البحث عن أنَّ هذه الأخبار هل هي معارضة بما دلَّ على إعتبار الوثاقة في حجية الخبر، وأنها تُقدم عليها إما بالأخصية لاختصاصها بالمستحبات أو بالشهرة، وهو بحث عن النسبة بينهما، وهذا البحث متفرع على الاحتمال الثالث.
• البحث عن ثبوت الاستحباب بفتوى الفقيه، أي هل يصدق البلوغ على فتوى الفقيه أم يختص بالخبر الضعيف، وهو متفرع على الاحتمال الثاني، فيقع الكلام في أنَّ عنوان البلوغ الذي هو موضوع الاستحباب هل يكفي فيه فتوى الفقيه أو لا.
هذه هي الاحتمالات الخمسة المذكورة في محل الكلام.
وقبل الدخول في البحث الاثباتي لتحديد ما هو الاحتمال الذي يمكن استفادته من الأخبار نتكلم عن الفوارق بين هذه المحتملات من دون استبعاد لبعضها، حتى يتضح بذلك المقصود من هذه الاحتمالات بشكل واضح.
ولذا يقال إذا استثني الاحتمال الرابع – وهو الوعد بالثواب لمصلحة في نفس الوعد – فيمكن أن نقول إنَّ باقي الاحتمالات تشترك في أنَّ الظاهر منها أنها في مقام الحث والترغيب على العمل، ولكنها تفترق في جهات أخرى، مثلاً الفرق بين الاحتمال الأول والثاني هو أنَّ هذه الأخبار على الاحتمال الأول تكون إرشاداً الى ما يدركه العقل من حسن الانقياد والاحتياط، وليس فيها إعمال مولوية وإنما هي إرشاد فقط، بخلاف سائر الاحتمالات التي تتضمن إعمال المولوية إما بجعل الاستحباب بالعنوان الثانوي، وإما بجعل الحجية للخبر الضعيف في باب المستحبات.
والفرق بين الاحتمال الثاني والثالث هو أنَّ الثابت على الثاني هو استحباب واقعي ثانوي نفسي لعنوان (البلوغ) في حين أنَّ الثابت على الاحتمال الثالث هو حجية الخبر الضعيف في المستحبات، وهو حكم ظاهري طريقي مجعول بملاك التحفظ على الواقع.