الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / ما استُدل به للاحتياط/ الدليل الشرعي

الملاحظة على الإستدلال برواية عمر بن حنظلة:

الظاهر أنَّ المراد من قوله عليه السلام (وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله) هو عدم الاعتماد على هذا الخبر في مقام إثبات الحكم الشرعي، ولا يراد به الترك والاجتناب حتى يُستدل به على لزوم اجتناب الشبهة، وذلك باعتبار أنَّ الحديث طُبِّق على الخبرين المتعارضين، وفرض أنَّ أحدهما مشهور والآخر شاذ نادر، ومقتضى هذا التطبيق هو أن يكون المقصود من رد علمه الى الله والى رسوله هو عدم الاعتماد على هذا الخبر الشاذ وغير المشهور في إثبات الحكم الشرعي.

مضافاً الى أنَّ الأمر بالاتباع في قوله (أمر بيّن رشده فيتّبع) يمكن جعله مؤشراً على أنَّ الحديث ناظر الى الدليل والخبر لا الى الحكم الذي يناسبه التعبير بالامتثال ونحوه، فيكون الأمر المشكل هو الخبر الذي لا يصح الاعتماد عليه، فالمراد أنَّ الأمر المشكل الذي لا يكون بيّناً ويكون له وجهان متكافئان لا يجوز الاعتماد عليه لإثبات الحكم الشرعي لأنَّ الاعتماد على أحد الوجهين يكون إثباتاً للحكم بلا دليل، ومن هنها تكون الرواية ناظرة الى باب الأدلة وأنَّ ما يكون حجة هو ما يكون بيناً فقط، وأما ما يكون بيّن الغي أو يكون مشكلاً فلا يجوز الاعتماد عليه، وبناءً عليه تكون الرواية أجنبية عن محل الكلام وهو الشبهة الحكمية التي لم يفرض فيها وجود الدليل.

وأما استشهاد الإمام عليه السلام بكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو في نفسه لا دلالة فيه.

وبعبارة أخرى هل استشهاد الامام بالحديث النبوي يكون قرينة على أنَّ الحديث النبوي دال على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية؟

الجواب: ليس في الاستشهاد بما هو في نفسه دلالة وجوب ترك الشبهات وأنَّ الاحتياط فيها واجب، إذ يمكن الاستشهاد بالحديث مع رجحان الاحتياط والترك الجامع بين الوجوب والاستحباب، كما إذا قلنا أنَّ الحديث النبوي في مقام الارشاد الترك الشبهات باعتبار أنَّ فيه التحرُّز عن المخالفة وما يترتب عليها من الضرر، فيشمل الموارد التي يكون التحرُّز فيها واجباً كموارد العلم الإجمالي وما لا يكون كذلك كالشبهات الموضوعية، فيقال إنَّ الاجتناب عن الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وإنَّ ترك الشبهة تترتب عليه فائدة وهي عدم الوقوع في الحرام، وهذا لسان يمكن أن يُستشهد به في جميع الشبهات سواء وجب فيها التحرُّز أو لم يجب فيها ذلك ، فلا دلالة في استشهاد الامام عليه السلام بالحديث النبوي على وجوب الاحتياط ووجوب التحرز عن الشبهات.

وأما إذا لوحظ الحديث النبوي في حد نفسه وبقطع النظر عن الاستشهاد به فيقال ليس فيه دلالة على وجوب الاحتياط ووجوب ترك الشبهات أيضاً، وذلك لأنَّ في الحديث فقرتان يمكن أن يُتخيل فيهما دلالة على وجوب الاحتياط في الشبهات، الأولى (فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات) والثانية (ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات) وهي أظهر من الأولى.

أما الأولى فالمستفاد منها هو الارشاد الى أنّ ترك الشبهات يترتب علية النجاة من المحرمات المحتمل وجودها فيها، وهذا أمر واضح، فإنه اخبار عن ملازمة حقيقية واقعية بين أمرين أحدهما ترك الشبهات والآخر هو النجاة من المحرمات الواقعية المحتملة فيها، ولا يُستفاد منها وجوب ترك الشبهات، وليس هذا اللسان في مقام بيان ذلك.

وبعبارة أخرى: إنَّ ترك الشبهة يلازم النجاة من الحرام الواقعي المحتمل وجوده فيها والحديث بصدد التنبيه على ذلك، وأما ارتكاب الشبهة فلا يلازم الوقوع في الحرام الواقعي حتى يكون حراماً ويثبت وجوب الاحتياط، والحديث بصدد التنبيه على الأول، ولا يفهم منه الملازمة بين ارتكاب الشبهة والوقوع في الحرام.

وأما الثانية فقد يقال إنها ظاهرة في الملازمة بين الأخذ بالشبهات وبين الوقوع في المحرمات، وإذا كان الثاني حراماً فيكون الأول مثله، فيُستدل بها على وجوب الاحتياط.

وجوابه: ما هو المقصود بالشبهات، هل المقصود جميع الشبهات أو المقصود بها عنوان الشبهات وبقطع النظر عن أفرادها؟

وعلى الأول فاللازمة صحيحة ولا إشكال فيها، وذلك للعلم إجمالاً بوجود محرمات واقعية في ضمن جميع المشتبهات، ولكنه ليس محل الكلام والنزاع بين الأصوليين وبين الأخباريين، وإنما النزاع في ارتكاب شبهة يُحتمل فيها مصادفة الحرام، وهذا يصدق عند ارتكاب شبهة واحدة.

ويضاف الى ذلك أنه لو كان المراد من الشبهات جميع الشبهات فهو لا يناسب التثليث المذكور في الحديث، لأنه على هذا التقدير يكون داخلاً في القسم الثاني (وأمر بيّن غيّه فيجتنب)، وهذه قرينة على أنَّ المراد ليس هو جميع الشبهات،

وعليه لا بد من حمل هذه العبارة على جنس الشبهة وأنَّ ارتكابها يقرب المرتكب من ارتكاب المحرمات، وعرفت عدم دلالتها على وجوب الاحتياط إلا إذا ثبتت حرمة الاقتراب من المحرمات، وأنَّى لنا إثبات ذلك، ومن هنا لا يمكن الاستدلال بها على وجوب الاحتياط في محل الكلام

الى هنا يتم الكلام عن أدلة وجوب الاحتياط العقلية والنقلية من الكتاب والسنة وتبين أنها غير تامة، ومن هنا لا داعي للدخول في البحث عن النسبة بين أدلة البراءة العقلية أو النقلية وبين أدلة الاحتياط العقلية أو النقلية، لأن هذا البحث فرع التعارض، وحيث لم تثبت لدينا أدلة الاحتياط فلا تعارض، فليس لهذا البحث ثمرة عملية وإن كان له ثمرات علمية.

ثم يقع الكلام في تنبيهات البراءة.