45/04/12
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / ما استُدل به للاحتياط/ الدليل الشرعي
تتمة الحديث عن أخبار الطائفة الثانية، وهي الروايات الآمرة بالاحتياط في موارد معينة، وقد تقدم الحديث عن الرواية الأولى وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، وانتهينا الى دلالتها على وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية ولكن بعد إلغاء خصوصية المورد وخصوصية كونها مردة بين الأقل والأكثر، وذكرنا القرينة على هذا التعدي وهو قوله عليه السلام: (مثل هذا).
ولوحظ على هذا الإستدلال بأنَّ المشار إليه فيه احتمالان:
الأول الإشارة الى واقعة الصيد.
الثاني الإشارة الى الشبهة التي يُسأل عنها لا يُعرَف حكمها، أي إذا سُئلتم عن واقعة لا تعرفون حكمها فعليكم بالاحتياط.
أما على الأول فذكروا أنَّ هذه الرواية غاية ما تدل عليه هو وجوب الاحتياط قبل الفحص، ولا يثبت بها وجوب الاحتياط لأنَّ الحديث هنا عن حكم الشبهة بعد الفحص مع عدم العثور على ما يُثبت الحكم أو ينفيه، أو قل الرواية تدل على وجوب الاحتياط قبل الفحص وهو غير محل الكلام.
وأما على الثاني فيكون مفاد الرواية هو الاحتياط في الفتوى وفي جواب المسألة، فتدل على عدم جواز الإفتاء بغير علم ومن دون فحص، ويجب الاحتياط والتوقف عن الإجابة والفتوى حتى يعلم الحكم، وعليه تكون أجنبية عن محل الكلام ولا يصح الاستدلال بها.
الشيخ الطوسي بسنده عن عبد الله بن وضاح قال: ( كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) : يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً ، وتستتر عنّا الشمس وترتفع فوق الليل[1] حمرة ، ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فأُصلّي حينئذ وأُفطر إن كنت صائماً، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل[2] ؟ فكتب إليّ : أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك) [3]
وتقريب الاستدلال بها بأن قوله عليه السلام: (وتأخذ بالحائطة لدينك) يفهم منه التعليل لقوله (أرى لك أن تنتظر..) المفيد لوجوب الانتظار، ولكن لا خصوصية لمورد السؤال فنأخذ بعموم التعليل ويجب الاحتياط في جميع الموارد، وهذا نظير عن السؤال عن الدَين والجواب عنه: (يجب عليك أداء الدين لإفراغ ذمتك مما اشتغلت به) الذي لا خصوصية فيه لمورد السؤال فيعم كل ما اشتغلت به الذمة.
والجواب عنه: قالوا أنَّ الحمرة التي وقع السؤال عنها في الرواية فيها احتمالان:
الأول: أن يراد بها الحمرة المشرقية.
الثاني: أن يراد بها الحمرة المغربية، وهي التي قال بها الخطابية بالنسبة لوقت صلاة المغرب.
فعلى الأول كأن السائل يحتمل أن يكون لذهاب الحمرة المشرقية دخل في تحقق الغروب الشرعي فتكون الشبهة حكمية، فيكون تقدير السؤال هو أنَّ الغروب الشرعي هل يتحقق باستتار القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية؟
وهذا سؤال عن شبهة حكمية والمناسب في الجواب رفعها وبيان ما هو الحكم، بينما أجابه الامام عليه السلام بالاحتياط وهذا لا يرفع عنه الشبهة، ومن هنا قالوا لا بد من حمل جواب الامام عليه السلام على بيان الحكم التقيتي، بمعنى أنَّ ما يريده جداً هو ذهاب الحمرة المشرقية وأنها هي الشرط في تحقق الغروب الشرعي ولكنه لا يمكنه التصريح به لأنه خلاف ما يفتي به العامة، فيتوصل الى ذلك بأمر السائل بالاحتياط فيحقق النتيجة المطلوبة من دون التصريح ومخالفة الرأي السائد.
وبعبارة أخرى أنَّ السامع يتخيل بأنَّ الانتظار حتى تذهب الحمرة المشرقية إنما هو لأجل إحرازه استتار القرص بينما الواقع أنَّ هذا الانتظار لأجل تحقق الغروب الشرعي.
وبناءً على هذا لا يصح الاستدلال بهذه الرواية لأنَّ قوله: (وتأخذ بالحائطة لدينك) لا يراد به وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية، فكيف يُستدل بها على وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية!
وأما على الثاني فكأنه السائل يحتمل أن يكون الغروب الشرعي موقوفاً على ذهاب الحمرة المغربية، وحينئذِ تكون الرواية ظاهرة في إمضاء هذا الرأي ولو على مستوى الحكم الظاهري، ولكن هذا هو رأي الخطابية، ومن هنا قالوا هذا بعيد جداً لصدور أخبار كثيرة في لعن أبو الخطاب وجماعته حينما ذهبوا الى هذا الرأي.
وعلى كل حال لا يصح الاستدلال بهذه الرواية على وجوب الاحتياط في محل الكلام إما لأنها محمولة على التقية وإما لعدم إمكان الالتزام بأنَّ الغروب يتحقق بذهاب الحمرة المغربية.