45/03/16
الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ الاستصحاب
تتمة..
الصحيح في جواب الاعتراض الثاني هو ما ذكره السيد الخوئي قده في جوابه الأول من الالتفات الى عدم التكليف في أول الشريعة فهناك يقين بعدم جعل هذا الحكم لأنَّ الأحكام بُينت تدريجاً وهذا عدم نعتي منسوب الى الشارع وليس عدماً محمولياً فلا يرد كلا الاعتراضين.
ولو تنزلنا عن ذلك فالجواب عن الاعتراضين المتقدمين هو أنهما مبنيان على افتراض تعدد العدم وهو غير صحيح كما مرَّ فإنَّ العدم لا يتعدد بتعدد ملاكه ولا بتعدد زمانه أو مكانه أو صفته، وإنما يتعدد بتعدد ما يضاف إليه، وأما فرض العدم في زمان والعدم في زمان آخر فهو عدم واحد مستمر، فلا تصح دعوى تعدد العدم بأن يفترض عدم قبل الشريعة وعدم بعد الشريعة، والظاهر أنه لا ينبغي التوقف في عدم تعدد العدم بهذا اللحاظ.
والحاصل: هناك عدم واحد ثابت قبل الشريعة ويستمر الى ما بعدها فإذا فرض أنه كان باقياً فهو نفس العدم السابق واستمر الى ذلك الزمان وبه يندفع كلا الاعتراضين.
الاعتراض الثالث: إنَّ استصحاب عدم جعل الحكم معارض باستصحاب عدم جعل الترخيص مع العلم إجمالاً بأنَّ الواقع لا يخلو من أحدهما، فيتكاذبان ويتساقطان فلا يصح الاستدلال للبراءة باستصحاب عدم الجعل.
وأُجيب عنه بجوابين:
الأول: إنَّ طرف العلم الإجمالي ليس هو الترخيص والاباحة الثابتة للشيء بعنوانه الأولي وإنما هو الاباحة الثابتة بالعنوان الثانوي وهو عنوان أنه لم يرد فيه نهي، ولم يجعل فيه التحريم، فأكل لحم الأرنب مثلاً لم تجعل له الاباحة بعنوانه الأولي وإنما لم يرد فيه نهي ولم يجعل فيه التحريم فيكون مباحاً، وبعبارة أوضح إنَّ الأمر يدور بين التحريم وعدم التحريم ويُعبر عن الثاني بالإباحة وهذا ليس جعلاً للإباحة، وهذا الطرح ولو على مستوى الاحتمال يكون جواباً عن الاعتراض الثالث إذ لا يقع تعارض بين هذين الاستصحابين، بل يكون إستصحاب عدم جعل التحريم مقدماً وحاكماً على إستصحاب عدم جعل الترخيص لأنَّ موضوعه الشك في جعل الاباحة الثابتة بملاك عدم جعل التحريم، واستصحاب عدم الجعل يحرز لنا عدم جعل التحريم ويعبدنا بذلك فلا شك في الاباحة فيرتفع موضوع الإستصحاب الثاني ولا يقع التعارض بينهما.
الثاني: أن يقال إنَّ استصحاب عدم جعل الاباحة لا يجري في نفسه لأنه لا يترتب عليه أثر فلا يعارض إستصحاب عدم جعل التحريم فيجري بلا معارض، وأما عدم ترتب الأثر على استصحاب عدم جعل الاباحة فلأنَّ الأثر المطلوب إثباته هو المنجزية وهذا لا يترتب على عدم جعل الاباحة بل يترتب على المنع والتحريم الشرعي، ومن الواضح أنَّ إثبات المنع والتحريم باستصحاب عدم جعل الاباحة يكون الأصل بلحاظه مثبتاً لأنه من اللوازم العقلية للمستصحب وهو عدم جعل الاباحة.
ومن هنا يظهر أنَّ هذه الاعتراضات لا ترد على التقريب الثاني للاستصحاب، كما ظهر مما تقدم عدم ورود الاعتراضات على التقريب الأول فلا بأس بهذين التقريبين للاستصحاب.
التقريب الثالث إجراء الاستصحاب بلحاظ ما قبل الشرائط الخاصة التي يحتمل دخلها في التكليف، وبيانه:
كان التقريب الأول يجري بلحاظ البلوغ وهو من الشرائط العامة للتكليف، وأما هذا التقريب فهو بلحاظ الشرائط الخاصة في التكليف كما لو شككنا في وجوب حجة الإسلام بالبذل فنستصحب عدم جعل وجوب الحج المتيقن قبل البذل، وهذا إستصحاب لعدم التكليف يُستدل به على التأمين والتعذير.