الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ الاستصحاب

تفسير السيد الخوئي لكلام الشيخ الأنصاري:

ذكر الشيخ قده أنَّ الغرض من إجراء إستصحاب عدم التكليف هو إثبات القطع بعدم العقاب وإلا كان العقاب محتملاً فيُحتاج الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان لتحصيل القطع بالتأمين، ومعه لا حاجة لإجراء الاستصحاب ولا تترتب عليه فائدة، ومقصوده هو أنَّ القطع بعدم العقاب لا يترتب على إستصحاب عدم التكليف وإنما هو من آثار الترخيص الظاهري في الفعل أو الترك من قِبل الشارع، ولا يمكن إثبات الترخيص باستصحاب عدم التكليف لأنه بلحاظه يكون أصلاً مثبتاً، فإنَّ الترخيص لازم عقلي لاستصحاب عدم التكليف، وهذا أشبه بإثبات أحد الضدين باستصحاب عدم ضده وهذا من أوضح أنواع الأصول المثبتة.

ولكن ما ذكره السيد الخوئي قده من الفرق بين الترخيص الشرعي الظاهري وبين عدم التكليف من أنَّ القطع بعدم العقاب يترتب على الترخيص الشرعي ولا يترتب على إستصحاب عدم التكليف وقع مورداً للسؤال وذلك لأنَّ عدم التكليف حكم ظاهري أيضاً، فالشارع تارة يحكم بالترخيص وأخرى يحكم بعدم التكليف وكل منهما حكم ظاهري يترتب عليه القطع بعدم العقاب!

وعلى كل حال قد تقدم الجواب عن الاعتراض الثالث بصيغته الأولى، وكذا الجواب عن الصيغة الثالثة من عدم الفرق بين الترخيص الظاهري وبين عدم التكليف الظاهري الثابت بالاستصحاب فكل منهما يترتب عليه القطع بعدم العقاب بلا حاجة الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأما الصيغة الثانية وهي أنَّ عدم التكليف من قبيل الموضوعات الخارجية التي ليست قابلة للجعل الشرعي وإنما يعقل جريان الاستصحاب فيها إذا كان يترتب عليها أثر شرعي، ويقال أنَّ عدم التكليف ليس له أثر شرعي فلا يجري فيه الاستصحاب.

فجوابها ما تقدم من أنه لا دليل على أنه يشترط في المستصحب أن يكون مجعولاً شرعياً أو موضوعاً يترتب عليه أثر شرعي، وإنما المهم في تعقل جريان الاستصحاب وشمول أدلته له هو أن يكون التعبد الاستصحابي ينتهي الى نتيجة من حيث التنجيز أو التعذير، والامر في محل الكلام كذلك، بمعنى أنَّ استصحاب عدم التكليف يجري لأنه يترتب عليه التعذير حتى لو سلمنا أنه ليس من المجعولات الشرعية وسلمنا عدم ترتب أثر عليه شرعي عليه.

ومن هنا يظهر أنَّ هذه الاعتراضات الثلاثة المشتركة بين جميع صيغ الاستصحاب ليست تامة.

الاعتراضات الخاصة:

أما التقريب الأول للاستصحاب أي إستصحاب عدم التكليف الثابت قبل البلوغ عند الشك فيه فاعترض عليه باعتراضين:

الأول: ما ورد في أجود التقريرات عن المحقق النائيني قده وحاصله:

إنَّ المتيقن الثابت قبل البلوغ هو غير ما يُراد إثباته بالاستصحاب فلا يكون المشكوك نفس المتيقن، والمتيقن قبل البلوغ هو ما يُعبر عنه باللاحرجية العقلية المراد به عدم التكليف الثابت بحكم العقل في مورد غير قابل له، فإنَّ الصبي مورد غير قابل للتكليف، وما نريد إثباته بالاستصحاب هو عدم التكليف في مورد قابل للتكليف، فالمتيقن لا يحتمل بقاؤه بعد البلوغ وما نريد إثباته لا يقين به سابقاً ومع اختلاف المتيقن عن المشكوك لا يجري الاستصحاب.

والحاصل: لا معنى للتمسك بالاستصحاب لأنَّ المتيقن معلوم الارتفاع ولا شك في بقائه وما يشك فيه فعلاً لا يقين في به سابقاً، وبعبارة أخرى إنَّ العدم الثابت قبل البلوغ عدم محمولي وغير منتسب الى الشارع والعدم بعده عدم نعتي منتسب الى الشارع، ومن الواضح أنَّ إثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي مبني على القول بالأصل المثبت.

وأجاب عنه السيد الخوئي قده بجوابين:

الأول: ما ذكره من أنَّ عدم تكليف الصبي غير المميز هو عدم التكليف في مورد غير قابل للتكليف صحيح ولا الكلام فيه، ولكن إذا فرضنا أنَّ الصبي كان مميزاً قبل البلوغ فهو مورد قابل للتكليف ولا يرد فيه الاشكال، لأنَّ المتيقن سابقاً هو العدم المنتسب الى الشارع امتناناً وهو عدم التكليف في مورد قابل للتكليف، وهو نفسه الذي نريد إثباته في ظرف الشك فلا يختلف المتيقن عن المشكوك، فالإشكال يتم إذا فرضنا الصبي غير مميز ولا يتم إذا فرضناه مميزاً.