الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ الاستصحاب

الملاحظة الثانية: على جواب السيد الخوئي قده على اعتراض المحقق النائيني قده

وهي أن يقال إنَّ موضوع القاعدة لا يرتفع بالاستصحاب لا على أساس الحكومة ولا على أساس الورود، أما الأول فلما تقدم من أنَّ الحكم بالبراءة حكم عقلي ولا تتصور الحكومة بالنسبة الى الأحكام العقلية، وأما الثاني فلأنَّ الصحيح في موضوع القاعدة البراءة العقلية هو عدم البيان على التكليف فقط ومعه يحكم العقل بالتأمين وليس موضوعها هو عدم البيان مطلقاً، وبناءً عليه يقال إنَّ الاستصحاب لا يرفع هذا الموضوع لا تعبداً كما تقدم ولا حقيقية وذلك لأنَّ رفعه لا يكون إلا بالبيان على التكليف والاستصحاب بيان على عدم التكليف، أو قل مع الاستصحاب يبقى المكلف لا بيان له على التكليف وإن ثبت عنده البيان على عدم التكليف، فموضوع القاعدة باق بالرغم من جريان الاستصحاب.

وأما دعوى أنَّ موضوع القاعدة هو عدم البيان على التكليف فقط لا عدم البيان مطلقاً فيُستدل لها بأنَّ القاعدة العقلية ملاكها هو إدراك العقل لحق الطاعة للمولى، بمعنى أنَّ العقل عندما يدرك أنَّ المولى له حق الطاعة في تكليف ما يحكم باستحقاق العقاب عند المخالفة، وأنَّه عقاب في محله وليس قبيحاً، وهذا الحكم العقلي إنما يثبت إذا وصله التكليف، كما يدرك عدم ثبوت حق الطاعة في التكليف غير الواصل الى العبد، فيحكم بقبح العقاب على مخالفته وأنه عقاب في غير محله، هذا هو معنى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ومنه نفهم أنَّ موضوع القاعدة هو عدم وصول التكليف، أي عدم وجود بيان على التكليف، وبهذا يثبت أنَّ موضوع القاعدة هو عدم بيان التكليف لا عدم البيان مطلقاً، وعدم بيان التكليف لا يرتفع حقيقة باستصحاب عدم التكليف، بل يبقى موضوع القاعدة ثابتاً ويثبت بها التأمين، غاية الأمر أنَّ التأمين بعد جريان الاستصحاب يثبت من جهتين وبملاكين الأول بملاك عدم بيان التكليف وهو تأمين عقلي، والثاني بملاك احراز عدم التكليف بالاستصحاب تعبداً وهو تأمين شرعي.

ومن هنا يظهر أن دعوى حكومة الاستصحاب على قاعدة البراءة العقلية أو وروده عليها غير تامة، ولا يوجد ما يمنع من جريان الاستصحاب مع البراءة العقلية.

نعم لا إشكال في وجود اختلاف في درجة التأمين بين هذين المؤَمِّنَين فدرجة التأمين الثابتة بالاستصحاب أشد من درجة التأمين الثابتة بالبراءة العقلية فإنّ الأول يثبت بملاك البيان على عدم التكليف والثاني يثبت بملاك عدم البيان على التكليف.

هاتان ملاحظتان على جواب السيد الخوئي قده.

الملاحظة الثالثة: إنَّ جريان الاستصحاب مع البراءة العقلية يختلف عنه مع البراءة الشرعية أو الطهارة الشرعية، فإنه يتقدم على القاعدتين الشرعيتين بالحكومة بلا إشكال لتعقل تصرف الشارع في موضوعهما بالتوسعة أو التضييق فيكون حاكماً عليهما، وهذا التقدم بالحكومة قائم على أساس إحراز المستصحب، كاستصحاب الطهارة الثابتة سابقاً، وهذا الاحراز هو الذي يكون حاكماً على قاعدة الطهارة وذلك لأنَّ موضوع القاعدة هو الشك في طهارة الثوب أو نجاسته والاستصحاب يرفع هذا الشك ويحرز الطهارة تعبداً، وكذا الكلام في البراءة الشرعية، فبإحراز البراءة باستصحاب عدم التكليف يرتفع موضوع قاعدة البراءة الشرعية وهو الشك في التكليف.

وأما جريان الاستصحاب مع البراءة العقلية - وعلى تقدير الالتزام بتقدمه على البراءة العقلية – نقول إنَّ تقدمه ليس على أساس إحراز المستصحب وإنما على أساس نفس التعبد الاستصحابي، فإنه بيان لعدم التكليف فيرتفع موضوع القاعدة العقلية – إذا قلنا أنَّ موضوعها هو عدم البيان مطلقا ً- فإنَّ بيان عدم التكليف يرفع عدم بيان عدم التكليف كما أنَّ بيان التكليف يرفع عدم بيان التكليف، وهذا ليس قائماً على أساس إحراز المستصحب كما هو الحال في الاستصحاب الجاري في قبال القواعد الشرعية وإنما هو قائم على أساس التعبد الاستصحابي لكونه بياناً على عدم التكليف.

هذا كله بناءً على تقديم الاستصحاب على البراءة العقلية على أساس الحكومة أو الورود وقد تقدم ما فيه.

ومن مجموع ما تقدم يظهر أنَّ جواب السيد الخوئي قده عن الاعتراض الثاني ليس تاماً، وهو باق على حاله، وحاصله إنّ إجراء الاستصحاب لإثبات التأمين تحصيل للحاصل بل من أردأ أنواعه لأنَّ التأمين حاصل بمجرد الشك في التكليف.

هذا تمام الكلام في الجواب الأول عن الاعتراض الثاني.