45/03/03
الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ الاستصحاب
الكلام في الاعتراض الثاني على الاستدلال بالاستصحاب على البراءة الشرعية، وحاصله:
إنَّ الأثر الذي يراد إثباته باستصحاب عدم التكليف هو التأمين وعدم العقاب وهذا الأثر ثابت بمجرد الشك في التكليف وحيث أنَّ الشك ثابت بالوجدان فالتأمين المترتب عليه ثابت كذلك، وأما إحراز عدم التكليف بالاستصحاب لإثبات التأمين فهو من تحصيل للحاصل بل من أردأ أنواعه لأنه إحراز للأمر الثابت وجداناً بالتعبد.
وأجاب عنه السيد الخوئي قده بما حاصله:
إنَّ الأثر محل الكلام – وهو التأمين – من آثار الجامع بين الواقع والشك في الواقع وليس من آثار الشك في الواقع فقط، فكما يثبت التأمين بإحراز عدم التكليف فكذلك يثبت مع الشك في التكليف بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا كان ذلك كذلك فلا يرد الاعتراض، وإنما يرد إذا كان الأثر مترتباً على الشك في الواقع فقط، وذلك لأنَّ الشك ثابت بالوجدان فيكون التأمين ثابتاً بالوجدان أيضاً لأنه من آثاره، وإحرازه عن طريق استصحاب عدم التكليف تحصيلاً للحاصل.
وأما عدم ورود الاعتراض إذا كان الأثر مترتباً على الجامع فباعتبار أنَّ الأثر يترتب على عدم التكليف في الواقع وحيث لا يمكن إحراز ذلك بالوجدان فيحرز بالتعبد، فلا ضير في استصحاب عدم التكليف وإحرازه تعبداً لغرض ترتيب أثره، فاذا جرى الاستصحاب وأحرزنا عدم التكليف تعبداً فهذا يعني ارتفاع الشك تعبداً ومعه لا مجال لثبوت التأمين المترتب على الشك أو قل لا مجال للبراءة العقلية، وبعبارة أوضح إنَّ الاستصحاب يكون حاكماً على البراءة العقلية ورافعاً لموضوعها.
والحاصل: المفروض إنَّ الأثر يترتب على الواقع كما يترتب على الشك به فلا مانع من جريان الاستصحاب بلحاظ ترتب الأثر على الواقع وإذا جرى وأُحرز به عدم التكليف ارتفع الشك تعبداً فلا تأمين ولا براءة فكيف يلزم تحصيل الحاصل!
ثم يقول وهذا نظير الاستصحاب مع البراءة الشرعية والاستصحاب مع أصالة الطهارة، إذ لا إشكال تقديم الاستصحاب في حالة تعارضه معهما - كاستصحاب التكليف مع البراءة الشرعية واستصحاب النجاسة مع قاعدة الطهارة – ويثبت بهذا الاستصحاب التكليف الظاهري في المورد الأول كما تثبت به النجاسة الظاهرية في المورد الثاني، وهنا يكون الاستصحاب حاكماً على البراءة الشرعية وعلى قاعدة الطهارة، ونفس الكلام يقال في البراءة العقلية فلا مانع من جريان الاستصحاب معها ويكون حاكماً عليها ورافعاً لموضوعها.
وهذه الحكومة تجري حتى في صورة التوافق كاستصحاب عدم التكليف مع البراءة الشرعية ويكون حاكماً عليها وتستند البراءة الى الاستصحاب لا إلى البراءة الشرعية، وكذا الكلام في استصحاب الطهارة مع قاعدة الطهارة فالطهارة الثابتة تستند الى الاستصحاب لا إلى القاعدة،
ومحل الكلام من هذا القبيل فهناك تأمين يثبت بالبراءة العقلية وتأمين يثبت بالاستصحاب، فيجري الاستصحاب ويكون رافعاً لموضوع البراءة العقلية وحاكماً عليها ويستند التأمين إليه، فلا يلزم تحصيل الحاصل.
وهذا الجواب عليه ملاحظات:
الأولى وهي ملاحظة فنية، إنَّ ما ذكر ليس من قبيل الحكومة وإنما هو من الورود وذلك لأنَّ الحكومة إنما تعقل بالنسبة الى القواعد الشرعية كما ذكر في التنظير الأخير بين الاستصحاب وبين البراءة الشرعية، وبينه وبين القاعدة الطهارة، وذلك لأنَّ الحكومة في واقعها تصرفٌ في موضوع الدليل المحكوم إما بالتوسعة أو بالتضيق، والذي له حق التصرف هو الحاكم نفسه، وأما البراءة العقلية فموضوعها ليس بتحديد من الشارع فلا تتصور فيها الحكومة، والتصرف هنا في موضوع الدليل العقلي فلا تكون حكومة وإنما يكون الاستصحاب وارداً على البراءة العقلية، وذلك باعتبار أنَّ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان، والمراد به عدم البيان مطلقاً أي عدم البيان لا على التكليف ولا على عدم التكليف، ومعه يكون الاستصحاب رافعاً لهذا الموضوع حقيقية لأنه بيان على عدم التكليف، وهو معنى الورود، ولكنه مشروط بتفسير عدم البيان في القاعدة العقلية بعدم البيان مطلقاً، فكما أنَّ البيان على التكليف يرفع موضوع القاعدة فكذلك البيان على عدم التكليف.