الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ السُّنة الشريفة/ فقه حديث الرفع

الميزان في شمول حديث الرفع بنظر السيد الشهيد قده:

حاصل الميزان الذي ذكره السيد الشهيد قده هو أن يكون الاختيار والعمد دخيلاً في ترتب الأثر على موضوعه، فلو لم يكن الفعل إختيارياً لم يترتب عليه الأثر، فالحرمة الثابتة لشرب الحمر أثرٌ مترتب على الفعل مع دخالة الاختيار في ترتبه، بمعنى أنه لو صدر لا عن اختيار فلا تترتب عليه الحرمة، وهكذا الحد الذي يترتب على موضوعه مع الاختيار، فمثل هذه الآثار هي التي يشملها الحديث، وأما الآثار والأحكام المترتبة على موضوعها مطلقاً أي من دون دخل الاختيار في ترتبها فغير مشمولة للحديث، ومثالها الملاقاة فإنَّ النجاسة تترتب عليها مطلقاً.

ويقول في مقام بيان الوجه في إستفادة هذا الميزان إنَّ حديث الرفع يفهم منه المعذورية للعناوين المذكورة فيه بلا إشكال، وليست هي معذورية تأسيسية تعبدية وإنما هي مرتكزة في الذهن العرفي، وإذا رجعنا الى العرف وجدنا أنه يجعل للاختيار دخل في ترتبها، فإذا وقع الفعل عن إضطرار أو خطأ أو نسيان فالمعذورية متحققة بنظر العرف، فكأنه يرى أنّ صدور الفعل بأحد هذه العناوين ليس عن اختيار، وهذا يعني أنه يشترط في ترتب الأثر على موضوعه أن يكون صادراً عن اختيار، وأما مثل ترتب النجاسة على الملاقاة التي لا يكون الاختيار دخيلاً في ترتبها فلا يرى العرف المعذورية فيها إذا ترتبت عن نسيان أو إضطرار أو إكراه.

ويقول إنَّ تحديد كون الاختيار دخيلاً في ترتب الأثر يمكن حصره في موارد، وما عداها لا يكون الاختيار دخيلاً في ترتب الأثر، وهذه الموارد ثلاثة:

الأول: أن يقع الفعل متعلقاً للحكم ويكون الأثر حكماً تكليفياً له كحرمة شرب الخمر، فهذا الحكم التكليفي المترتب على الفعل يعتبر فيه الاختيار، ومن الواضح أنَّ الحكم لا يتعلق بفعل إلا إذا كان المكلف مختاراً فيه، وأما إذا فرض إضطراره الى الفعل فلا تترتب عليه الحرمة.

الثاني: أنَّ يقع الفعل موضوعاً للحكم - والموضوع هو ما يترتب على الحكم - كالإفطار العمدي الذي يترتب عليه وجوب الكفارة، فإذا فرضنا أنَّ الأثر الشرعي كان ظاهراً في أنَّ الاختيار دخيل في ترتبه فهو يعني أنَّ الأثر لا يترتب إذا صدر الفعل لا عن اختيار كالإفطار نسياناً أو إكراها فإنه لا تترتب عليه الكفارة.

الثالث: أن يكون الفعل موضوعاً للحكم أيضاً لكنه يتضمن في نفسه الاختيار والقصد من قبيل الحكم الوضعي بالصحة على المعاملة أو الحكم التكليفي بوجوب الوفاء بالعقد، فهذه المعاملة يعتبر فيها القصد والاختيار وهي التي يحكم عليها الشارع بالصحة، وإذا وقعت لا عن اختيار شملها الحديث ورفع الأثر الشرعي.

ويقول في غير هذه الموارد لا يكون الحديث شاملاً لها، وكل الأمثلة المتقدمة من الملاقاة والضمان وغسل مس الميت ووجوب القضاء لا ينطبق عليها مورد من هذه الموارد ولا يعتبر فيها الاختيار، ومن هنا يكون هذا الميزان هو الكفيل لإخراج هذه الآثار من حديث الرفع.

والملاحظة عليه:

تقدم بيان أنَّ الآثار على ثلاثة أقسام:

الأول: الآثار التي تترتب على موضوعها مطلقاً أي لا بشرط طرو واحد من هذه العناوين ولا بشرط عدم طرو واحد منها، وقلنا إنه القدر المتيقن دخوله في حديث الرفع، كالحرمة والحد المترتبان على شرب الخمر.

الثاني: الآثار التي يشترط في ترتبها عدم واحد من هذه العناوين، وهذا يعني ترتب الآثار على الفعل إذا صدر عمداً، من قبيل وجوب الكفارة بشرط الإفطار عمداً أي عدم النسيان وعدم الإضطرار.. الخ ، وهذا هو القدر المتيقن الخارج عن حديث الرفع، ولا يعقل رفع الأثر عند طرو واحد من هذه العناوين لارتفاع الموضوع الذي يلزم منه إنتفاء الحكم قهراً ولا حاجة معه لحديث الرفع.

الثالث: الآثار التي يشترط في ترتبها واحد من هذه العناوين، وهو الذي وقع الكلام فيه وإخترنا خروجه عن الحديث أيضاً.

وتطبيق ذلك في محل الكلام هو أنَّ الآثار التي تترتب على موضوعاتها ويكون للاختيار والعمد دخل في ترتبها تكون مشمولة لحديث الرفع، ولكن هذه الآثار هي القسم الثاني التي تترتب بشرط الاختيار والعمد أي بشرط عدم النسيان وعدم الإكراه.. الخ، فكيف ترتفع إذا عرض عليها أحد هذه العناوين، بل ارتفاعها لانتفاء الموضوع فانتفاء الحكم كما مر.

وبعبارة أوضح يقول السيد الشهيد قده كل أثر يكون للاختيار دخل في ترتبه يشمله حديث الرفع، وكل أثر لا يكون للاختيار دخل في ترتبه لا يشمله الحديث، والاختيار إذا كان دخيلاً في ترتب الحكم على موضوعه فمعناه ترتب الأثر على الفعل الاختياري العمدي، وحينئذٍ يكون ارتفاع هذا الأثر في موارد الاكراه والاضطرار والخطأ على القاعدة بلا حاجة الى حديث الرفع لزوال الاختيار والعمد الدخيل في ترتبه على موضوعه كما تقدم ذلك في الجهة الثالثة من أنه إذا كان الأثر مقيداً بعدم أحد هذه العناوين فإنه يرتفع بطرو واحد منها بلا حاجة الى حديث الرفع.

النتيجة:

ومن هنا يظهر إنَّ الأقرب في ميزان شمول الحديث هو ما ذكره السيد الخوئي قده من أنه يعتبر في شمول الحديث لمورد أن يكون الأثر مترتب في دليله على الفعل المنتسب الى المكلف.

ولكن هذا الميزان يتخلَّف في مسألة إتلاف الأمين الذي يترتب عليه الضمان كما ذكروا، فإذا صدر الإتلاف عن نسيان أو إكراه فلا يرتفع هذا الأثر ويلتزمون فيه بالضمان.

هذا تمام الكلام في الجهة السادسة.